ليس من قبيل المصادفة أن تشهد السنة المقبلة 2015 انعقاد مؤتمر إعادة النظر في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، فهو يتزامن مع مرور سبعين سنة على أفدح حماقة ارتكبها البشر على مدى حضارتهم الحديثة، بتفجير قنبلتين نوويتين فوق مدينتي هيروشيما ونغازاكي قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية. ولعل انعقاد المؤتمر في هذا التوقيت يوفر مناخاً مؤاتياً، ويُزكي العمل الجاد، لإحياء الأمل في أن يخلو العالم من الأسلحة النووية.
لقد بدا لكثير من المتفائلين، بعد زوال أحوال ما عُرِفَ بالحرب الباردة، أن عالماً خالياً من هذه الأسلحة أصبح بمتناول أيدينا، فخاب التفاؤل أمام عوامل عديدة، من بينها غياب النية الطيبة لدى الدول النووية. واستمر انتشار الأسلحة النووية بالرغم من توافر رغبة عامة في تأسيس نظام عالمي سلمي لزمن ما بعد الحرب الباردة. والأكثر من ذلك أن مخاطر هذه الأسلحة ازدادت، وأصبح العالم يواجه الآن ثلاثة تحديات ضخمة:
يتمثل التحدي الأول في تزايد القدرات النووية في العالم، حتى أن عدد الأسلحة النووية الموجودة فعلاً تجاوز 16 ألفاً، وفي بعضٍ منه الكفاية لتدمير النوع البشري بأكمله. وكثير من أنظمة هذه الأسلحة في حالة تأهب قُصـوى دائمة، الأمر الذي يجعل من مخاطر إطلاقها بطريق الخطأ، مثلاً، مصدر قلق كبير. فأين ذلك مما توجبـه المادة السادسة من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وهي الإطار الدولي الأساسي لمعالجة القضايا النووية كافة، من إلزامٍ للأطراف الموقِّعة على المعاهدة بمواصلة المفاوضات، بنيات خالصة، لنزع السلاح النووي؟
ويتمثلُ التحدي الثاني في ما يشهده العالم حالياً من انتشار للأسلحة النووية في مناطق عديدة، من دون أي اعتبار لمعاهدة الحظر، التي أعلنت كوريا الشمالية انسحابها منها عام 2003، ثم لم تلبث أن بدأت تجاربها النووية في الأعوام 2006 و2009 و2013، ولا تزال مستمرة في تطوير برامجها النووية والصاروخية. كما أن النشاط النووي الإيراني لا يزال مقلقاً للمجتمع الدولي، وإن تحقق في الشهور القليلة الماضية بعض التقدم نحو إيجاد حل لبرنامج إيران النووي.
أما التحدي الثالث فهو ظهور أطراف فاعلة لا كيان رسمي لها، إضافة إلى مجموعات تمارس الأنشطة الإرهابية، يتزايد سعيها للانخراط في أعمال لا صفة قانونية لها من شأنها توسيع دائرة انتشار الأسلحة النووية، وتستعين في ذلك بوسائل حديثة تتطور يوماً بعد يوم. ووفقاً لما أعلنته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يُرصد سنوياً أكثر من 100 حالة مشبوهة من حالات الاتجار غير المشروع وغير ذلك من أنشطة وفعاليات تشتمل على مواد نووية ومشعة. وقد شهد العام 2013 رصد 146 حالة من هذه الحالات.
لا يجوز السكوت على أحوال كهذه، إذ يمثل الإرهاب النووي خطراً محتملاً يمكن أن يضرب أي مكان في العالم.
|