Monday 29 Jul 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
منتدى البيئة
 
عبد الهادي النجار فارق في التوقيت... وفي أشياء أخرى | 10/09/2014
إنها الثامنة والربع صباحاً. وفيما هو يحثّ الخطى باتجاه محطة مترو يوتسويا، فتح حقيبة الكومبيوتر المحمول وأخذ يفتّش بين الأوراق التي فيها، وهو يأمل ألا تكون الليلة المزعجة التي أمضاها قد أنسته شيئاً.

لقد كانت ليلة قاسية بحق. فالزلزال الذي هزّ طوكيو كان بقوة 5.6 درجات على مقياس ريختر كما أعلنت قناة إن إتش كيه التلفزيونية قرابة الساعة الثانية والنصف صباحاً. ومع أن أبناء بلده اعتادوا الزلازل، بحيث يكاد لا يمر شهر من دون حصول زلزال متوسط واحد أو أكثر. إلا أن الهزّة الثانية التي تبعت الأولى بفارق 10 دقائق فقط جعلته مستيقظاً طوال الليل مخافة حصول زلزال أكبر.

في هذا البلد أصبحت الزلازل نمط معيشة تأقلم معها اليابانيون. إلا أن خوفهم الكبير هو من حصول الحرائق التي تتبع الزلازل، كما حصل في مدينة كوبي قبل سنين، حيث قضى الآلاف بسبب الحرائق التي اندلعت نتيجة زلزال 1995، وليس بسبب الزلزال نفسه الذي سجّل 6.8 درجات على مقياس ريختر.

تنفّس هيروشي مانابي الصعداء بعد أن تأكد أنه لم ينس شيئاً. وكما اعتاد كل يوم، اشترى صحيفته المحلية ثم اختفى في زحام الناس المتوجهين إلى أعمالهم في هذه الساعة المبكّرة من النهار. وعلى رغم شدة الازدحام والإرهاق الظاهر على الوجوه، إلا أن الجميع يتحرّك داخل المحطة باتساق تام، كأنهم أفواج من السمك تسبح وتختلط من دون أن ترتطم بعضها ببعض.

أربع محطات ويصل إلى محطة شينجوكو التي تبعد عن مكان عمله في مجمع طوكيو متروبوليتان الحكومي مسيرة عشر دقائق فقط. وفيما كان القطار منطلقاً، فتح صحيفته وأخذ يقرأ العناوين ويبحث عن أي خبر يخص الزلزال الذي هزّ المدينة وأيقظ أهلها من نومهم. لم يجد شيئاً، فالجريدة تمّت طباعتها وجرى توزيعها قبل حصول الزلزال بدقائق، ولولا وجود عدد من التلاميذ قربه يتمازحون حول الزلزال الذي هزّ المدينة لظنّ أنه في عالم آخر.

دلف من القطار وتوجّه مع جموع الناس نحو المخرج الغربي لمحطة شينجوكو، وهو ينظر بعين الشفقة إلى مئات المشرّدين الذين يجدون في هذه المحطة مأوى لهم في ليالي طوكيو العاصفة. هم خليط من المهاجرين غير الشرعيين واليابانيين الذين لم يجدوا فرصة عمل تقيهم وطأة التشرد، أو ممن خانتهم ظروف الحياة وغابت عنهم مصادر الدخل. البعض يظن أن الياباني يهوى أن يفني نفسه في العمل، ولكن الحقيقة أن الحياة هنا قاسية جداً، فمن لا يعمل ولا ينتج سيجد نفسه مشرّداً في الشارع مثل هؤلاء.

في الطابق السادس والثلاثين من البرج الجنوبي للبناء الرئيسي في مجمّع طوكيو متروبوليتان، توقّف المصعد الذي يقلّ السيد مانابي مع عدد من زملاء العمل. وبعد أن لوّح ببطاقته الممغنطة أمام أحد الأبواب، دخل قاعة موظفي إدارة سلامة المياه في العاصمة، وتوجّه فوراً نحو مكتبه الصغير الذي يحتل إحدى زوايا القاعة الكبيرة وتمتد أمامه صفوف طاولات الموظفين الأدنى مرتبة بشكلٍ متوازٍ.
في غضون خمس دقائق كانت القاعة قد امتلأت بنحو ثلاثين موظفاً، انهمك معظمهم في متابعة شاشات الكومبيوتر التي تنقل إليهم البيانات الواردة من عربات الاختبار المتنقلة والمكاتب الفرعية لمراقبة نوعية المياه وغرف التحكم الخاصة بمحطات المياه وشبكة المعلومات الوطنية الخاصة بالإنذار ورصد الأضرار.

من دون أي إشعار مسبق، في الساعة العاشرة تماماً، توجّه رؤساء مجموعات العمل في قسم سلامة المياه إلى غرفة الاجتماعات يسبقهم السيد مانابي. الجميع هنا قد حفظ عن ظهر قلب خطّة إدارة طوارئ المياه، ومن ضمنها اجتماع "تقييم الموقف" الساعة العاشرة صباحاً في اليوم الذي يلي حصول زلزال غير كارثي.
على الجانب الآخر من الكوكب، وبعد أن دارت الأرض بفارق توقيت مقداره سبع ساعات، كان محرّك سيارة الأودي لا يزال يدور أمام منزل الدكتور جاسر، مدير شركة مياه الشرب في إحدى المدن العربية. الساعة تجاوزت العاشرة صباحاً، والسائق وجدها فرصةً جيدةً لشراء طبق صغير من الفول يلتهمه بسرعة قبل أن يفاجئه سعادة المدير بصراخه المعتاد.

بعد نحو عشر دقائق، خرج الدكتور جاسر واتجه بسرعة نحو باب السيارة الذي فتحه السائق مرتبكاً وهو يخفي طبق الفول خلف ظهره. وفيما هو منكب على قيادة السيارة، كان مجبراً على الاستماع إلى فاصل التوبيخ المتواصل من مديره وأوامره بتجاوز شارات المرور واستخدام الزمور (البوق) بشكل متكرر بحجة أنه لا يملك وقتاً يضيعه على الطريق.

في مكتبه الذي يحتل طابقاً كاملاً وتزيّن جدرانه مجموعة من الشهادات الأكاديمية والتقديرية، التي يعلم أنها شهادات وهمية لا قيمة لها، أخذ الدكتور جاسر يقلّب بين القنوات الفضائية في التلفاز أمامه متنقّلاً من نشرة إخبارية إلى أخرى. وفجأة تذكّر مشروعه الجديد في توسيع مكتبه بالاستيلاء على طابق آخر من الطوابق مبنى الشركة، بحيث يكون لديه "مكتب دوبلكس" يرضي غروره. وفيما هو غارق في التفكير وقد انتصف النهار، قاطعه صوت السكرتيرة لتخبره أن رئيس دائرة العلاقات العامة يرغب في مقابلته.

"خير إن شاء الله! دعيه يدخل، إلا إذا كان يريد تبشيري بالزيادة المفاجئة لعدد المعجبين بصفحة الفيسبوك للشركة. الأفضل له أن يستغل وقته في حذف التعليقات المسيئة قبل أن..." وما كاد المدير ينهي كلماته حتى كان رئيس دائرة العلاقات العامة قد دخل من دون استئذان وهو يظهر الجديّة وابتسامة مصطنعة مرسومة على وجهه.

صرف المدير السكرتيرة وهو يتوقع خطباً ما، ثم التفت نحو رئيس الدائرة مستهجناً دخوله المفاجئ. وقبل أن يبدأ في توبيخه قاطعه رئيس الدائرة ليخبره أن صديقاً له يدير أحد المستشفيات اتصل به صباحاً يعلمه بورود حالات إسعافية لعدد كبير من الأهالي إلى المستشفى، وهو يشتبه بحصول تلوث جرثومي في مياه الشرب.

"ماذا فعلت؟" سأله المدير مستفسراً. أجاب رئيس الدائرة أنه تحقق بالفعل من حصول تلوث جرثومي في إحدى محطات ضخ المياه، لأن تجهيزات حقن الكلور توقفت لبضع ساعات نتيجة انقطاع الكهرباء، ولم يكن بالإمكان تشغيل مولّدات الكهرباء الاحتياطية لعدم توفر وقود الديزل، بالرغم من وجود مئتي عامل في المحطة أكثرهم لا عمل له ولم ينتبه أي منهم إلى أن خزانات الوقود كانت فارغة.
وتابع يخبره أنه اتصل لاحقاً بصديقه مدير المستشفى ودعاه إلى الغداء نافياً له حصول أي تلوث في مياه الشرب. ثم أشاع بين الناس عن طريق حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي أن حالات التسمم ناتجة عن تلوث غذائي مصدره أحد مطاعم الوجبات السريعة.

أبدى المدير إعجابه بحنكة مسؤول العلاقات العامة لديه، وطلب منه أن يعزز صداقاته مع جميع مدراء المستشفيات في المدينة. ونظراً لفطنته وحسن تصرفه، وعده بمكافأة مجزية. وفيما كان رئيس الدائرة يهمّ بالمغادرة، طلب منه المدير أن يستدعي رئيس دائرة المرافق ليناقش معه قضية توسيع مكتبه.
 
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.