اللغات عنصر أساسي للتعايش السلمي بين البشر، كما أنها عامل استراتيجي للتقدم نحو التنمية المستدامة وللربط السلس بين القضايا العالمية والقضايا المحلية. ولها أهمية خاصة في المساعي الرامية إلى تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، فهي وسيلة لاكتساب المعارف والمهارات المحلية الخاصة بالشعوب.
واللغات كالكائنات الحية، تنشأ وتتطور وتزدهر ثم تشيخ وتخبو وتموت، وتتعرض للعوامل ذاتها التي تؤدي إلى انقراض أنواع من الكائنات الحية، وأهمها إهمال صونها. ومن العوامل التي تساعد على اندثار اللغات المحلية الحروب والكوارث الطبيعية ذات التأثير المدمر الواسع المدى، كالزلازل القوية، بالإضافة إلى التعامل بأكثر من لغة في المجتمع الواحد، وانحياز الأفراد للغة بعينها تتخذها الدولة لغة رسمية لها على حساب لغات ولهجات محلية أخرى.
ويعرف سكان ألاسكا السيدة ماري سميث التي ولدت عام 1918 لقبيلة قديمة كانت تعيش في تلك المنطقة القطبية. وكانت تستطيع مخاطبة جيرانها بالإنكليزية، ولكن أحداً لم يفهمها إن هي نطقت بلغة "إياك" التي كانت لسان عشيرتها. وذلك لأن ماري سميث كانت آخر من يعرف هذه اللغة، التي اختفت من الوجود تماماً بموت تلك السيدة عام 2008.
ثمة ما يزيد على 3000 لغة محلية زالت أو هي تلفظ أنفاسها في السنوات الاخيرة. ويقول اللغويون إن السبب المباشر في اندثار هذه اللغات هو تضاؤل عدد الناطقين بها. فاللغة التي يقل عدد من يستخدمونها عن 2500 إنسان لا يكتب لها الاستمرار، فلا تلبث أن تتلاشى، إذ أن هذا العدد القليل من المتحدثين بها سرعان ما تدركه المنية فتدفن معه اللغة.
كان للسكان القدماء في جزيرة مان في البحر الأيرلندي لغة محلية ضاعت بوفاة آخر متحدث بها في العام 1974. وفي 1992، مات آخر فلاح تركي ناطق بلغة "أوبيخ"، وهي لغة قوقازية قديمة كانت تحوي أكبر عدد من الحروف الساكنة بين لغات البشر كافة... 81 حرفاً! ومن اللغات المحلية التي حان أجلها "أوديهي" التي لا يزيد عدد المتحدثين بها في سيبيريا عن مئة فرد، و"أريكابو" التي كانت لغة تخاطب لقبائل في غابات الأمازون ولم يعد يعرفها إلا عدد من الأفراد يقل عن عدد أصابع اليدين. وعليك، إن شئت، أن تبذل جهداً شاقاً لتصل إلى عدد من الأفراد يمكنهم أن يقولوا لك "أهيهي"، أي "شكراً لك" بلغة "نافاهو" المنقرضة التي كان يتحدث بها بعض قبائل الهنود الحمر الإميركيين.
الجدير بالذكر أن اندثار اللغات ظاهرة طبيعية لم تتوقف على مدار تاريخ الحضارة البشرية. غير أن المثير للقلق هو تزايد معدل الاندثار في الآونة الأخيرة. ويصل التشاؤم ببعض المراقبين إلى حد أنهم يتوقعون ضياع عدد يتراوح بين 3400 و6120 لغة محلية مع نهاية القرن الحادي والعشرين، أي بمعدل لغة واحدة أو لغتين كل شهر.
|