Monday 29 Jul 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
منتدى البيئة
 
عبد الهادي النجار انهيار المدنية الغربية: رؤية من العام 2393 | 30/07/2014
 يحاول كتّاب الخيال العلمي رسم صورة تخيّلية للمستقبل، أمّا المؤرّخون فيعملون على إعادة بناء الماضي اعتماداً على الوثائق التي تتوافر لديهم. وفي الحالتين، فإن الغاية الأساسية هي محاولة فهم الواقع الراهن. هذا ما جاء في مقدمة الكتاب الجديد "انهيار المدنية الغربية: رؤية من المستقبل" الذي من خلاله تقوم نعومي أورسكس مع إريك كونواي بدور المؤرِّخ وكاتب الخيال العلمي في آن معاً، بهدف عرض إشكاليات التغيّر المناخي ومخاطره على المجتمع الغربي.
 
لا يمكن تصنيف "انهيار المدنية الغربية" ضمن مؤلفات الخيال العلمي المرتبطة بالتغيّر المناخي، كالعمل السينمائي الشهير "يوم ما بعد غد" (The Day after Tomorrow) أو الفيلم المؤثّر "خارق الثلوج" (Snowpiercer). الكتاب خليط من الخيال القائم على العلم، الذي يتضمن توثيق الأحداث الراهنة مع استشراف لنتائجها، في سرد علمي يرويه باحث من جمهورية الصين الشعبية الثانية بمناسبة مرور المئوية الثالثة على انهيار المدنية الغربية سنة 2093.
 
أورسكس أستاذة تاريخ العلوم في جامعة هارفارد، وزميلها كونواي مؤرّخ العلوم والتقنية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا. وقد عرضا للإشكالية الأخلاقية التي سيقوم عليها تقييم المؤرخين المستقبليين بشأن استجابة البشرية لنتائج علوم المناخ. هذه الإشكالية تقوم على أن المعارف التي نكتسبها قد لا تمنحنا القدرة الكافية على إحداث التغيير المطلوب في الوقت المناسب، أو كما جاء في الكتاب:
 
"إن انهيار المدنية الغربية يختلف عن انهيار المدنيات السابقة، لأن عواقب أفعال هذه المدنية كان بالإمكان توقعها، وقد حصل ذلك. لقد اتفق الجميع على أن شعوب المدنية الغربية كانوا يعرفون ما يحصل لهم، لكنهم لم يكونوا قادرين على إيقاف تسلسل الأحداث. الأمر المذهل في هذه القصة يمكن تلخيصه بمدى معرفة الناس ومدى عدم قدرتهم على التصرف حيال ما يعرفون. المعرفة لم تتحول إلى قوة".
 
النصف الأول من الكتاب مليء بالمعلومات التي تحيط بنا من كل حدب وصوب ويرفض البعض أن يراها. على مرِّ السنين، ومع حلول العام 2012، أطلقت البشرية في الجو أكثر من 365 مليون طن من الكربون نتيجة احتراق الوقود وإنتاج الإسمنت. يُضاف إليها 180 مليوناً نتيجة إزالة الغابات وتغيير استخدامات الأراضي. أكثر من نصف هذه الانبعاثات حصلت بعد منتصف سبعينات القرن العشرين، أي بعد أن قام العلماء ببناء النماذج الكومبيوترية التي تبرهن الأثر التسخيني لغازات الدفيئة. وهي الفترة نفسها التي كان فيها معظم الناس يؤمنون بأن "أفضل حل للتلوث هو تشتيته"، كأن تتم زيادة ارتفاع المداخن وتخفيف تركيز الملوثات الغازية بنشرها في الهواء، متجاهلين أن الغلاف الجوي له درجة إشباع وأن بعض الملوثات خطرة جداً حتى لو كانت تراكيزها بسيطة.
 
عرض الكتاب لبعض محاولات الإصحاح البيئي الفاشلة. منها ما حصل في وقتنا الراهن، كإجراءات التحوّل إلى استخدام الغاز الطبيعي بديلاً عن الفحم والنفط، حيث أدّى هذا التحوّل إلى زيادة غازات الدفيئة لأسباب عدّة، منها أن الغاز الطبيعي أصبح مصدراً إضافياً للطاقة لا مصدراً بديلاً للفحم والنفط، فضلاً عن أن انخفاض ثمنه عرقل عملية الانتقال إلى الطاقات المتجددة التي تتطلب تقنيات مرتفعة الكلفة نسبياً. وهناك محاولات أخرى افترض الكاتبان فشلها في المستقبل، كبرنامج حقن جزيئات الكبريتات في طبقات الجو العليا سنة 2059.
 
من القضايا المثيرة التي تناولها الكتاب العلاقة بين التفكير الغربي المتمثل بالليبرالية الجديدة (Neoliberalism) وتغيّر المناخ. لقد أدّى انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الشرقية، ذات السياسات الاقتصادية الموجّهة والمقترنة بسيطرة الدولة الواسعة على الموارد والثروات مع التضييق على الحريات، إلى تعزيز قناعات الغرب بأن الحريات الفردية لا يمكن الحفاظ عليها إلا بوجود اقتصاد حر لا تقيّده تشريعات أو قوانين باستثناء ما يضمن التنافسية وحقوق الإنسان الأساسية.
 
من مظاهر الليبرالية الجديدة أن منتجي النفط ومصنّعي البلاستيك وشركات السيارات وغيرهم من أصحاب الصناعات المنتجة للانبعاثات تحالفوا معاً لدعم بعض المجموعات التي تشكك في علوم المناخ، كضربة استباقية لكل الجهود التي تحاول وضع قيود تنظّم الانبعاثات الناتجة عن هذه الصناعات. وقد أثمرت جهودهم دعماً من السياسيين وأصحاب القرار، باعتبار أن هذه القيود تحدّ من تحرّر الأسواق وبالتالي تؤثر على الحريات الفردية. لقد ساهم تلاقي المصالح هذا في إضعاف جهود كبح التغيّر المناخي، وتسبّب في النتيجة بحصول "الانهيار العظيم" للمدنية الغربية سنة 2093.
 
رأى الكاتبان أن الدول التي لا تزال تملك إمكانية السيطرة على اقتصادها، كالصين مثلاً، هي الأقدر على اتخاذ القرارات السلطوية المركزية لمواجهة كوارث التغيّر المناخي، المتمثّلة في ارتفاع منسوب البحر والجفاف الشديد والفيضانات والأعاصير العنيفة ومحدودية الغذاء وانتشار الأمراض، في حين أن الدول الغربية ستعاني من هجرات واسعة وفوضى واضطرابات خطيرة.
في المقاربة الأخيرة، يمكننا توجيه نقد إلى الكتاب. فعلى رغم قدرة الدول الصاعدة، كدول مجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، على الإمساك بخيوط اللعبة الاقتصادية في بلادها، إلا أن الدول الغربية هي التي لا تزال تبرهن على إدارة أفضل لمجتمعاتها. وبالتالي فإن الاضطرابات المجتمعية التي قد تنشأ في الدول الصاعدة نتيجة تغيّر المناخ هي أخطر بكثير من تلك التي قد تحصل في الدول الغربية، مما يجعل فرص الدول الغربية في التكيّف مع آثار التغير المناخي أفضل.
 
الكتاب بشكل عام يستحق القراءة، وهو غني بالمعلومات، إلا أن بعض الاستقراءات المستقبلية الواردة فيه يجب تناولها بتحفّظ. ومنها على سبيل المثال ما جاء حول زيادة حرارة الأرض 11 درجة مئوية سنة 2070، إذ أن هذه الزيادة هي أخطر بكثير مما اقترحه الكتاب، خاصةً إذا علمنا أن زيادة الحرارة السطحية للأرض بمعدل 3 إلى 4 درجات فقط كانت كافية لنقلها من العصر الجليدي الأخير إلى العصر الحالي.
 
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.