عثرتُ في الإنترنت على دراسة تحمل عنواناً عاماً هو "لمن السيادة؟ للقوة العسكرية أم للشرعية الدولية؟ وعنواناً ثانوياً هو "وجهة نظر في سياسات الولايات المتحدة وتصرُّفاتها حيال الاتفاقيات والمعاهدات الأمنية"، تتناول توجُّهاتها المتخاذلة، والخارقة، والناقضة، والمنتهكة للمعاهدات والاتفاقيات والحقوق الدولية عموماً، والمتصلة بالشؤون البيئية على وجه الخصوص.
لقد بدأ توجُّه أميركا للتنصُّل من، أو معارضة، أو معاداة هذه الأداة القانونية الدولية، أي المعاهدات والاتفاقيات، يتَّضح في إدارة كلينتون، برفضه توقيع معاهدة حظر الألغام المضادة للبشر. وجاء بوش ليتمسَّك بهذا النهج. ففي الشهور السابقة لأحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، سحبت الولايات المتحدة دعمها لبروتوكول كيوتو، على رغم أنها لعبت دوراً مهماً في صنع هذا البروتوكول. وبعد 11 (أيلول) سبتمبر ناشدت العالم مساعدتها والتعاون معها لمقاومة الإرهاب. فتوقَّع البعض أن تعود إلى التمسك بالقانون والشرعية، غير أنها استمرَّت في التعويل على القوة العسكرية، وترسانتها النووية، ونظام استخباراتها، بدلاً من تفعيل الاتفاقيات الدولية لتتبُّع الإرهاب ومقاومته، باجتثاث أسبابه ودوافعه. بل إنها تكتفي برفض المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات المستجدَّة، التي تجيء بها آليات الشرعية الدولية، وإنما تراوغ وتتهرَّب من الوفاء بالالتزامات التي تقرها وتفرضها تلك المعاهدات والاتفاقيات التي سبق أن صادقت عليها. والأكثر من ذلك، فإن الدراسة تتهم أميركا بالانتهازية، إذ يقتصر التزامها على الاتفاقيات التي تسير وفق هواها، وتتلاءم ومصالحها، غير عابئة بمصالح الآخرين، أو بصالح الكون عامةً.
في ما يأتي نماذج من "حوادث" التراجع، والتخاذل، والانسحاب الأميركي من التعهدات والاتفاقيات الدولية:
1. في العام 1972، صادقت 144 دولة على اتفاقية الأسلحة البيولوجية والكيميائية. وتخلَّـت أميركا عن الاتفاقية، وأعلنت أن بروتوكولاتها "قد ماتت".
2. اتفاقية الألغام الأرضية، التي وقَّعتها 122 دولة في أوتاوا عاصمة كندا في كانون الأول (ديسـمبر) 1997. رفضتها أميركا في عهد كلينتون، بحجة أن الألغام الأرضية كانت ضرورية لحماية كوريا الجنوبية، الحليف الأميركي، ضد كوريا الشمالية التي كانت متفوقة عسكرياً. آنذاك قال كلينتون إن أميركا قد تعيد النظر في موقفها وتوافق على الاتفاقية عام 2006. وجاء بوش، فتنصَّل من الاتفاقية ومن وعد سلفه، وأعلن ذلك في آب (أغسطس) 2001.
3. بروتوكول كيوتو 1997 للتحكم في الاحتباس الحراري وتغير المناخ العالمي. اعتبره بوش "ميتاً". في آذار (مارس) 2001.
عارضت أميركا الخطة العالمية من أجل طاقة نظيفة، التي أعدتها الدول الصناعية الثماني الكبرى، ومنها أميركا ذاتها، في تموز (يوليو) 2001.
معاهدة حظر التفجيرات النووية. وقع عليها ممثلو 164 دولة، وصدقتها 89 دولة، واعتمدتها إدارة كلينتون عام 1996. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2001 أعلنت إدارة بوش اعتراضها على المعاهدة في اجتماع لإحدى لجان الأمم المتحدة.
تلفت الدراسة النظر إلى أن ما للولايات المتحدة من أهمية ووزن يجعل انسحابها من منظومة العمل الدولي الشرعي، المتمثَّل في المعاهدات، تهديداً خطيراً لأمن العالم، وللبيئة.
|