Friday 30 May 2025 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
منتدى البيئة
 
نجيب صعب حرب ترامب الخاسرة على الإنسانية والبيئة | 26/05/2025
‏الحرب الاقتصادية العدائية، التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد كل العالم تحت شعار "أميركا أولاً"، حجبت حروباً أخرى تفوقها خطورة. وحتى لو نجحت هذه السياسات الانعزالية المتعجرفة في تحقيق بعض المكاسب المؤقتة للشعب الأميركي، بأساليب الابتزاز والتصلُّت، فالاصرار عليها يهدّد بجعل "أميركا أخيراً". ذلك أن الدول لا يجوز أن تُحكم كشركات هدفها الأسمى تحقيق أكبر مقدار من المكاسب والأرباح السريعة. ومع أن الشركات المحترمة تلتزم بمعايير أخلاقية واجتماعية وبيئية، فالحكومات المارقة تتنكر لكل القيود والمعايير والقِيم، وتستنزف الموارد الطبيعية داخل البلد وخارجه، بالترغيب والترهيب واستغلال مكامن الضعف الاقتصادية والأمنية للدول الأخرى. وهي في هذا تدمّر التوازن الطبيعي وتحرم الأجيال المقبلة من حقّها في بيئة صحية سليمة. وقد تكون السياسات الأميركية الجديدة المرتبطة بتغيُّر المناخ أبرز مثل على الانحدار العِلمي والأخلاقي.
 
‏المستوى الحالي من الانحطاط في السياسات المناخية للولايات المتحدة لم يسبق له مثيل. فَمَع أن البيئة والمناخ لم يكونا في طليعة الاهتمامات خلال الفترة الرئاسية لجورج بوش بين 2001 و2009، إلّا أن أميركا لم تعطّل المفاوضات. لقد حرص الرئيس بوش على إبقاء بلاده طَرفاً فاعلاً في المجتمع الدولي، مع المطالبة بتوزيع لأعباء على الدول بما يتناسب مع مفهوم إدارته الخاص للعدالة. وهو خصّص ميزانيات كبرى للبحث العلمي، بما فيها ما يتعلّق بالبيئة والطاقة النظيفة والمناخ، كما حافظ على الحريات الأكاديمية، ولم يتدخل في عمل الجامعات. عِلماً أن سياساته كانت تقوم على مواجهة التدهور البيئي والمناخي عن طريق التكنولوجيا، لا عبر تخفيض الانبعاثات وتغيير أنماط الاستهلاك، في مجتمع يعتز بتراثه الاستهلاكي مهما كان حزب الرئيس.
 
‏نحن اليوم أمام مشهد مختلف كلّياً، يتمثّل في تسييس البحث العلمي وقمع الباحثين والجامعات. ولا يقتصر هذا على الملاحقة القضائية، وصولاً إلى السجن والإبعاد، لكل من تعتبره إدارة ترامب معارضاً لسياساتها من طلاب وباحثين وأساتذة، بل يصل إلى قطع ميزانيات الأبحاث عن الجامعات التي ترفض الخضوع للشروط السياسية. وبدأت نتائج هذا تظهر في توجُّه آلاف الطلاب والباحثين إلى جامعات خارج الولايات المتحدة، ومقاطعة مؤتمرات علمية فيها، بما يمكن وصفه بهجرة للأدمغة. وفي مجالات الطاقة المتجددة وتغيُّر المناخ والبيئة، سحبت إدارة ترامب مئات المليارات من البرامج المخصصة لدعم الأبحاث وتدابير الكفاءة وتشجيع التحوُّل إلى الطاقة النظيفة.
 
‏ومن الاجراءات المتطرّفة إعلان الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي توقّفها عن تقدير تكاليف الكوارث الجوية التي يغذّيها التغيُّر المناخي، بما في ذلك الفيضانات وموجات الحرّ وحرائق الغابات. وهذا واحد من الأمثلة الكثيرة على تدابير إدارة ترامب التي تحدّ من موارد الحكومة الفيدرالية بشأن التغيُّر المناخي، وكأن إخفاء الأرقام يلغي المشكلة.
 
‏وفي نيسان (أبريل) الماضي وقّع ترامب أمراً تنفيذياً يفتح أعماق المحيطات للاستغلال الصناعي المتهوِّر، في أكثر النظم الإيكولوجية هشاشة على الأرض، الأمر الذي لم يحدث من قبل في أي مكان في العالم. وسبق هذا إلغاء القيود على أعمال الحفر والتنقيب ومد شبكات الأنابيب في الأراضي المحمية.
 
‏وبموجب أمر تنفيذي آخر، ألغى ترامب شروط كفاءة استهلاك المياه في المنازل، التي تضع قيوداً على كمية المياه المسموح استخدامها في رؤوس الدش والحنفيات وغسالات الصحون والمراحيض والغسالات. ذلك أن ضغط المياه الحالي، وِفق ترامب، "لا يكفي لغسل شعره الجميل". المفارقة أنه يوم توقيع هذا "الأمر المائي" للحفاظ على الشعر الجميل، كان مئات آلاف الأطفال في غزة يواجهون الموت عطشاً، ولا يستطيع مليارا شخص حول العالم الوصول إلى المياه النظيفة، بينما يفتقر نحو أربعة مليارات إلى خدمات الصرف الصحي، وفق الأمم المتحدة. وكان ألغى سابقاً مشاريع للطاقة النظيفة بقيمة 8 مليارات دولار.
 
‏وبينما يقف العالم المتحضّر مصدوماً أمام هذه التدابير التي تهدف، وِفق واضِعِها، إلى "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، تعلن الولايات المتحدة عن عقوبات جديدة ضد المحكمة الجنائية الدولية وموظفيها، إلى جانب الدول والمنظمات المتعاونة معها. أما ذنب القضاء الدولي فهو إصدار أحكام على جرائم ضد الإنسانية ارتكبها حلفاء الإدارة الأميركية، بما يضع الولايات المتحدة في خانة الدول المارقة الخارجة على القانون. ومن صفات قوى الاستكبار خلق المشاكل والنزاعات الخارجية والداخلية للدول وتأجيجها، لبيعها الأسلحة ووهم الحماية وفرض الخوَّات عليها كما تفعل العصابات الإجرامية، إلى جانب السطو على مواردها بأبخس الأثمان.
 
‏وقْف تمويل الأبحاث ومنع نشر الأرقام عن تغيُّر المناخ والتدهور البيئي لن يغيّرا الواقع أو يوقفا التدهور. وعلى العالم أن يعوّض في الغد بتدابير مضاعفة موجعة عمّا خسره نتيجة تباطؤ العمل المناخي والبيئي اليوم. ذلك أن ترامب حدث زائل، أما تغيُّر المناخ فحقيقة راسخة. وكما حصل خلال ولاية ترامب الأولى، سيدفع التراجع الأميركي دولاً أخرى لسدّ الفراغ، خصوصاً في مجالات الطاقة المتجددة والكفاءة. وسيكتشف الأميركيون، متأخرين، أنهم ضحّوا بقدراتهم التنافسية لقاء مكتسبات قصيرة الأجل. ولنتذكر أن الصعود الصيني السريع في مجال الطاقة المتجددة بدأ خلال ولاية جورج بوش الإبن، وصولاً إلى احتلال الصين المرتبة الأولى عالمياً في صناعات الطاقة المتجددة من الشمس والرياح، كما في مجال السيارات الكهربائية. لقد التقطت الصين الإشارة باكراً، وكان خيارها الاستثمار في المستقبل. ولن تعوّض ضرائب الاستيراد والتعرفات العشوائية فشل السياسات الأميركية القصيرة النظر.
 
‏على تجّار العقارات الاعتراف بأن الأوطان والحضارات ليست سلعاً للبيع، من غزة وكل فلسطين، إلى أوكرانيا وكندا وغرينلاند، مروراً بقناة السويس وبنما، وأن سياسات البلطجة لا تدوم. كما ينبغي أن تعتمد الدول على تطوير قدراتها الذاتية، وتبني سياساتها وتحالفاتها بما يحفظ حقوقها وثرواتها الطبيعية. فلا خيار لمن يحركهم قلق المستقبل سوى اعتماد مبدأ الاستدامة بدلاً من الاستنزاف.
 
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.