الإعلام البيئي إعلام نقدي بناء، يراقب ويكشف ويعري الفساد البيئي والسياسات العمومية اللابيئية، كما يسعى إلى نشر الثقافة البيئية وبالتالي بناء وعي بيئي وجيل أخضر يكون مؤهلاً للترافع عن القضايا البيئية فيدافع عنها ويحميها.
إذا كان الإعلام البيئي له مكانته في الغرب وحاضراً بقوة ويلعب دوره كأداة تربوية وتوعوية وترافعية بجانب الهيئات السياسية الإيكولوجية والمجتمع المدني البيئي لحماية البيئة والمناخ، فهو في العالم العربي يعاني من عدة عراقيل موضوعية وذاتية، لهذا لا يزال دوره وتأثيره ضعيفين.
بالنسبة إلى المغرب، فإن الإعلام البيئي على قلّته، يترافع بإمكانيات بسيطة عن القضايا البيئية، إضافة إلى أنه يجابه مقاومة من طرف لوبيات اقتصادية – عقارية – طاقية، تعمل على محاصرة المعلومة البيئية، كما تقف أمام كل فعل تحسيسي يسعى إلى تنمية الوعي البيئي في المجتمع، وتتصدى بوسائلها المتعددة لكل إجراء قانوني قد يهدد مصالحها المالية والاقتصادية.
لهذا نجد المنشغلين في الصحافة البيئية يطرحون باستمرار هذا السؤال المفتوح: دستر المغرب الحق في بيئة سليمة (دستور 2011) وهو يمتلك ترسانة قانونية بيئية مهمة، كما أنشأ شرطة للماء وأخرى للبيئة: فلماذا تبقى هذه الوسائل والإجراءات القانونية، رغم أهميتها، معلقة لا تترجم على أرض الواقع؟
رغم المعوقات، فإذا أراد الاعلام البيئي أن يساهم في غرس الوعي البيئي في المجتمع، ويبلور فعلاً ترافعياً موضوعياً ذا مصداقية، عليه أن يتحوّل من إعلام مناسبات إلى إعلام يجعل القضايا البيئية في أعين وتفكير المواطن شأناً يومياً تتعلق بصحته وبموارده المائية والطبيعية وبمناخه، كما بالتنمية المستدامة.
على هذا الأساس، ينبغي على الترافع الإعلامي البيئي الانتقال من إعلام لنقل الاخبار فقط إلى أداة للتحليل والمراقبة والتتبع للسياسات العمومية والدفع بأصحاب القرار إلى إدماج البُعد البيئي في مخططاتهم الاقتصادية برؤية مستدامة.
لكي يحقق الإعلام البيئي هدفه التوعوي والتربوي والترافعي، من الأفضل أن يؤسس لذاته لغة إعلامية تصل إلى الجمهور بفئاته المتنوّعة، تتّسم بالدقة والموضوعية وتتميّز بالسلاسة، قابلة للإدراك والفهم، لأن غايتها التوعية لتغيير سلوك المواطن وجعله إيجابياً نحو واقعه البيئي.
فلُغة الصحافي البيئي بخصوص موضوع النفايات، مثلاً، ينبغي أن تكون واضحة، يكشف من خلالها بطريقة بسيطة أضرار النفايات على صحة المواطن، وانعكاساتها السلبية على جمالية المدينة وواقعها السياحي والاقتصادي والاجتماعي.
وإذا كانت لغة الإعلامي موجهة إلى الفلاح، فمن الأفضل أن تنتمي إلى حقل الفلاح اللغوي والمجالي والمهني، وتكون غايتها أن تبني له سلوكاً بيئياً إيجابياً نحو أرضه ومحيطه ومنتوجه، كتنبيهه إلى خطورة استعمال المبيدات بكثافة وأضرارها على التربة والمياه الجوفية، كما ينتج عنها منتوجات فلاحية غير صحية تشكّل خطراً على حياة متناوليها.
وينبغي تعزيز الفعل اللغوي التحسيسي، من خلال بوصلات وبرامج اعلامية تنصح الفلاح بعدم استعمال المياه العادمة غير المعالجة في سقي أراضيه مع الإشارة إلى أن القانون يجرّم ذلك، كما تنبّه المستهلك في الوقت نفسه إلى خطورة تناول المنتوجات المسقية بتلك المياه لأنها سامة، وتشكل خطراً على صحته وتهديداً لحياته. (ونُشير إلى مذكرة وزارة الداخلية التي صدرت في 4 أيار (مايو) 2020 لمنع استعمال تلك المياه في السقي. لأن الدراسات العلمية بيّنت أنها تسهم في نقل فيروس كورونا، بين غيره).
في توجه لغة الإعلامي البيئي نحو القطاع الصناعي، من الأحسن أن تحمل هاجس الاستدامة، وذلك بتوجيه أصحاب المصانع إلى ضرورة العمل من أجل الحصول على شهادة الأيزو 1401 التي تؤكد احترامهم للمعايير البيئية، وتبيّن جودة منتوجاتهم الفلاحية، وتضمن ولوجهم الأسواق العالمية.
في حالة توجهها إلى الأحزاب السياسية، ستكون اللغة الإعلامية عبارة عن تساؤل جوهري حول حضور البيئة في برامج تلك الأحزاب. فمن أعضاء تلك الأحزاب من سيصبح رئيساً لجماعة أو جهة أو وزيراً أو مسؤولاً عن قطاعات حساسة، وبالتالي وجب متابعته ومراقبته إعلامياً: إلى أي حد سيفي بوعوده البيئية وسيترجمها على أرض الواقع؟
إن الفعل الإعلامي البيئي، إن كان يلعب دوراً تعليمياً وتربوياً وتوعوياً وترافعياً، فإن ذلك لن يحقق المبتغى إلا إذا تحالفت معه مؤسسات أخرى لها أهميتها في التنشئة البيئية. وفي الطليعة المؤسسات التعليمية، بدءاً من المدارس والمعاهد إلى الجامعات من خلال المقررات الدراسية، وخلق وحدات للبحث في المجالين البيئي والمناخي، وإنشاء نوادٍ حقيقية للبيئة وتنظيم أنشطة بيئية ليست موسمية، بل على طول السنة ووفق برنامج بيئي محدد. أما المجتمع المدني البيئي فقد عرف تطوراً خلال السنوات الأخيرة وأصبح أكثر حضوراً للذود عن القضايا البيئية والمناخية، هذا الحضور والمبادرات والورشات التي يقوم بها قادرة على أن تفرز شباباً أخضر يدرك أهمية البيئة والمناخ والتنمية المستدامة.
ولا ننسى دور المرأة والحركة النسائية في النهوض بوعي نسائي بيئي فاعل في المجتمع، فالمرأة كما بيّنت الدراسات السوسيولوجية لاعب أساسي ومحوري في التربية البيئية وبلورة وعي بيئي مبكر مستدام لدى الأجيال اللاحقة. كما أن للمؤسسات الدينية دوراً، عبر مساهمة المساجد والفقهاء وعلماء الدين في التربية البيئية، من خلال التحسيس والتوعية بالقضايا البيئية، لأن البنية الفكرية والنفسية للمجتمع مرتبطة أساساً بالقيم الدينية. فالقرآن الكريم دافع بشكل كبير عن القضايا البيئية، كما استخلف الله الإنسان في الأرض ليحافظ عليها.
يمكن التأكيد أنه، إذا تحالفت هذه المؤسسات مع الإعلام عموماً والإعلام البيئي خصوصاً، فبإمكان المجتمع أن يحقق قفزة فكرية وثقافية في مجال الترافع وحماية البيئة، وبالتالي بناء مواطن إيكولوجي مسؤول، غايته الأسمى تشييد مستقبل مستدام منصف وعادل.
عبد المجيد بوشنفى، رئيس الجمعية المغربية للإعلام البيئي والمناخ