إن الديبلوماسية البيئية قادرة على تحويل العلاقات الدولية من علاقات صراعية إلى علاقات تعاون. فعندما تقع كارثة طبيعية (فيضانات، زلازل...) في أي مكان في العالم، فإن جميع المواطنين، جمعيات ومنظمات غير حكومية، وكل الدول تتضامن مع الجهة المنكوبة. وهذا يبيّن أن الظواهر البيئية توحّد المجتمعات والدول أكثر مما تفرقها.
فالتهديديات البيئية لا تعرف الحدود وتتجاوز البلدان والقارات وتهدد الصحة والرخاء ولا تستطيع أي دولة التعامل معها بمفردها، ولهذا أصبح مطلب التعاون الدولي ضرورياً لبناء مستقبل مستدام.
وقد أنجزت الدبلوماسية البيئية، بالتعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية، العديد من الاتفاقيات والمعاهدات العالمية لحماية البيئة منها: اتفاقية رامسار للأراضي الرطبة (1971)، اتفاقية السايتس الخاصة بالاتجار الدولي بالحيوانات والنباتات المهددة بالانقراض (1975)، اتفاقية فيينا الخاصة بحماية طبقة الأوزون وبروتوكول مونتريال الخاص بالمواد المسببة لتآكل طبقة الأوزون (1985)، اتفاقية بازل الخاصة بالتحكُّم في نقل النفايات الخطرة والتخلُّص منها عبر الحدود الدولية (1989)، الاتفاقية الدولية المتعلقة بالتنوُّع البيولوجي(1992)، اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (1994)، اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ (1994)، بروتوكول كيوتو لمواجهة التغيُّر المناخي (1997)، اتفاقية روتردام الخاصة بالاتجار الدولي بمواد كيميائية خطرة (1998)، اتفاقية ستوكهولم الخاصة بالملّوثات العضوية الثابتة (2001)، اتفاقية هيوغو لبناء قدرة الأمم والمجتمعات على مواجهة الكوارث الطبيعية للفترة الممتدة بين 2005-2015، اتفاقية ميناماتا للحدّ من انبعاث الزئبق وانطلاقه في الماء والهواء والتربة(2013) .
وفي المؤتمرات الأخيرة للتغيُّرات المناخية (كوب)، أدرك العالم أهمية الجلوس معاً والحوار حول مصير كوكب يجمع الإنسانية، وخلُصت التوصيات إلى ضرورة حمايته من دون المساس بالمصالح الاقتصادية الاستراتيجية الخصوصية لكل دولة.
كما تبيّن من خلال القمة الأفريقية للعمل التي انعقدت في المغرب، على هامش مؤتمر الأطراف في اتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغيُّرات المناخية (كوب 22)، أن القارة الأفريقية بدأت تتجاوز الخلفيات الأيديولوجية في علاقاتها الدولية، واضعة مصلحة القارة فوق كل شيء، من خلال مطالبتها الدول الصناعية بالتمويل، وبتكنولوجيا نظيفة تساهم في بناء تنمية مستدامة تؤسس لمستقبل منصف وعادل للقارة الأفريقية.
ومن خلال مشاركتي في مجموعة من المؤتمرات الأفريقية الايكو-مناخية، اتضح أن الظاهرة البيئية (مثلاً الماء) توحّد ما بين الدول المتصارعة وتدفعها إلى الجلوس على طاولة واحدة، وتقرّب بين مواقفها.
والذي يساهم في ذلك التقارب ويعززه المنظمات غير الحكومية والفعاليات المدنية الأفريقية، التي أصبحت أكثر وعياً بالتحديات البيئية والمناخية، إذ تطالب دولها وقادتها السياسيين بتجاوز الخلافات من أجل السعي نحو تحقيق الأمنين المائي والغذائي، ومحاربة الفقر والهشاشة الاجتماعية، وبناء تنمية مستدامة للقارة الأفريقية.
عبد المجيد بوشنفى، رئيس الجمعية المغربية للإعلام البيئي والمناخ
|