عناوين جديدة حملتها قطاعات الحكومة المغربية الحالية، كوزارة التجهيز والماء، ووزارة النقل واللوجيستيك، في حين أصبحت وزارة الطاقة والمعادن والبيئة تحمل عنوان وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة.
تظهر أهمية هذه القطاعات الوزارية في كونها مرتبطة بالمجال الاقتصادي، ولها طموح الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر، وولوج نمط اقتصادي جديد تحكمه تكنولوجيا نظيفة، يرتكز على الطاقات المتجددة، غايته الأساسية تحقيق السيادة الطاقية والأمنين المائي والغذائي.
فوزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة تحمل على عاتقها ملفّين مهمين: الأول يتعلق بالانخراط في التحوُّل الأخضر الذي يعرفه المغرب من خلال مشاريعه الطاقية النظيفة، والثاني مرتبط بتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
فالانتقال الطاقي يعني أن الدولة تعي وتدرك أهمية التحوُّلات الاقتصادية التي يعرفها العالم، وهناك رهان عالمي على الاقتصاد الأخضر.
وخلال جائحة كورونا، عرف العالم، وعلى رأسه الاتحاد الأوروبي، أزمة اقتصادية وطاقية كبيرة، شهد من خلالها ارتفاعاً في أسعار الغاز والكهرباء، بحيث بدأ التفكير في البدائل الاقتصادية وعلى رأسها رهان الاقتصاد المستدام.
والمغرب اليوم، بفضل مناخه (شمسه ورياحه) واستقراره، مُطالب بلعب ورقة الدبلوماسية الطاقية، التي من خلالها يمكن جني مكاسب سياسية واقتصادية مهمة.
وتتضح أهمية هذه الورقة في استعداد المغرب وبريطانيا لخلق تعاون طاقي، وذلك بمدّ أطول "كابل كهربائي" عبر البحر في العالم بطول 3800 كيلومتر وبكلفة قد تصل إلى 16 بليون جنيه إسترليني، بحيث سيزوّد المغرب بريطانيا بالطاقة النظيفة، ومن المتوقع أن يوصل هذا "الكابل" التيار الكهربائي المولّد بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح في المغرب إلى بريطانيا بما يسدّ حاجة أكثر من 7 ملايين منزل بريطاني.
وللمغرب كذلك شراكة خضراء مع الاتحاد الأوروبي، والتي تأتي عقب التفكير في مستقبل العلاقات بين المغرب وأوروبا خلال لقاء الصخيرات، وإطلاق التصريح السياسي المشترك المؤسس لـ"الشراكة الأورو-مغربية للازدهار المشترك"، المعتمد في حزيران (يونيو) 2019 من طرف مجلس الشراكة الاتحاد الأوروبي-المغرب، والذي حدد كمحاور ذات أولوية: التعاون في مجال الطاقة ومحاربة الاحتباس الحراري وحماية البيئة والنهوض بالاقتصاد الأخضر.
ويأتي هذا الحدث، الذي يعدّ خطوة أولى رئيسية، لدعم الإرادة المشتركة للمغرب والاتحاد الأوروبي إزاء تعزيز علاقتهما الاستراتيجية طويلة الأمد، من خلال تطوير شراكات جديدة مبتكرة ومفيدة لكلا الجانبين.
ومن شأن هذه الشراكات إثراء آليات الحوار والتعاون القائمة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وتعزيز الطموحات الجديدة المحددة بموجب سياسة الجوار الأوروبية، وكذلك مختلف أولويات المغرب.
ويعكس هذا التعاون بخصوص الشراكة الخضراء تقارباً سياسياً قوياً بين الطرفين، في ما يتعلق بالقضايا البيئية والمناخ والتنمية المستدامة.
وسيكون بوسعهما، من جهة، الاعتماد على طموحات الميثاق الأخضر لأوروبا، الذي تم إطلاقه في 2019، ومن جهة أخرى، على الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة المعتمدة في 2017، والنموذج التنموي المغربي الجديد، ومظاهر التقدم المهمة والجهود الموصولة التي يبذلها المغرب في مجال الطاقة، وتغيُّر المناخ، والبيئة والاقتصاد الأخضر، إلى جانب التزامه الإرادي من أجل تعاون ثلاثي جنوب-جنوب في هذه المجالات.
الطاقة الريحية
ويعترف الاتحاد الأوروبي بريادة الملك محمد السادس في مجال مكافحة تغيُّر المناخ، ورؤية جلالته من أجل تنمية مستدامة ومندمجة للمملكة والقارة الإفريقية.
وهكذا فالمغرب يمكن له استثمار الورقة الدبلوماسية الطاقية في علاقته كذلك مع الدول الأفريقية التي تعترف بالنموذج المغربي الطاقي. وقد أكدت السيدة جولييت بياو كودنوكبو، مسؤولة مكتب الأمم المتحدة للبيئة في أفريقيا والوزيرة السابقة للبيئة في جمهورية غينيا، أن المغرب يقود تجربة رائدة في إفريقيا تشكل نموذجاً يقتدى به في مجال النجاعة والفعالية الطاقية.
واعتبرت السيدة كودنوكبو خلال عرض قدمته أمام اللجنة الدائمة المعنية بالنقل والصناعة والاتصالات والطاقة والعلوم والتكنولوجيا المنبثقة عن برلمان عموم إفريقيا في ميدراند في جنوب إفريقيا، أن التجربة المغربية يجب أن تشكِّل مرجعاً لسائر البلدان الإفريقية، وخاصة منها البلدان الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (سيدياو)، لاسيما في ما يتعلق بإيجاد آليات لتمويل المشاريع الطاقية النظيفة الشمسية منها والريحية وعدم الاكتفاء فقط بانتظار التمويلات الأجنبية التي ترهق كاهل القارة السمراء بالقروض التمويلية الطويلة الأمد والتي تؤثر سلباً على فرص التنمية المستدامة بالنسبة للأجيال القادمة.
أما في ما يخص ملف التنمية المستدامة، فقد حددت الأمم المتحدة سنة 2030 كسقف زمني لتحقيق الأهداف السبعة عشر المتكاملة، بحيث يسعى المغرب من خلال الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة وشراكاته الخضراء المتنوعة أن يكون على الموعد.
عبد المجيد بوشنفى، رئيس الجمعية المغربية للإعلام البيئي والمناخ