لم تكتفِ إسرائيل بإبادة الأطفال والنساء والشيوخ والرضع في غزة، بل امتد ذلك إلى تدمير البنى التحتية الضرورية من قطاعات اقتصادية وخدماتية وتجارية، وامتد إلى الأراضي الزراعية، فلوّث تربتها وأفقدها جودتها وانتاجيتها بفعل مخلّفات القنابل السامة.
لقد طال العنف الوحشي التخريبي الحجر والأشجار والحيوانات والنبات وقنوات الصرف الصحي والقطاع الفلاحي والموارد المائية، بتدمير الآبار والخزانات المائية والمياه الجوفية، مما أدى إلى عطش بنيوي، وأزمة غذائية خانقة. وفي هذا الصدد صرّح المتحدث بإسم وزارة الصحة في غزة لقنوات إعلامية أن "الأطفال الذين توفوا عانوا من حالة متقدمة من الجفاف وسوء التغذية".
وأكدت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا) أن أكثر من 330 ألف طن من النفايات تراكمت في مناطق مأهولة بالسكان في جميع مناطق قطاع غزة، ناهيك عن انتشار مياه الصرف الصحي في الشوارع والأزقة بروائحها النتنة والكريهة، متسببة بأمراض جلدية وتنفسية بين السكان، خاصة الأطفال.
وكشف المصدر نفسه أن الفيروس المؤدي إلى شلل الأطفال أصبح بادياً وأكثر تهديداً للحياة الصحية في قطاع غزة.
وإذا كان الهجوم الوحشي دمّر الموارد المائية والقطاع الزراعي، وخلق أزمة عطش ومجاعة لم يشهدها تاريخ الحروب من قبل، فإن قنابله المتنوّعة الجنسيات، التي تهاطلت على قطاع غزة، نتج عنها تلوُّث هوائي خطير، وأدى إلى خلل مناخي سينعكس أثره السلبي على المدى القريب والبعيد.
وهكذا، فقد عاث العدوان الوحشي في البيئة بلا حسيب أو رقيب، وانتهك وضرب عرض الحائط كل المواثيق والبروتوكولات والاتفاقيات الدولية البيئية والمناخية.
أمام الإبادة الإنسانية والبيئية التي تتعرض لها غزة، يتساءل المهتمون بالبيئة أين الجمعيات والمنظمات والأحزاب الغربية المدافعة والمرافعة على قضايا البيئة والمناخ وحق الانسان في العيش بكرامة وبيئة سليمة وصحية؟ لماذا لا تصول وتجول وتنتفض كما تفعل في المؤتمرات المناخية؟ أين هي الهيئات المدنية الغربية المدافعة عن حقوق الأطفال والنساء والحيوان والتنوُّع الحيوي؟
لم نشهد إلى الآن بيانات تنديدية صادرة عن الهيئات الدولية البيئية تكشف للعالم هول الدمار البيئي الذي يتعرض له قطاع غزة، بل نجد فقط تقريراً أولياً يتيم صدر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) في نيروبي، أنجز عن بعد من خلال مكاتبها في المنطقة، بحيث قدّر قيمة الأضرار البيئية بحوالي 411 مليون دولار أميركي.
غزة، كشفت زيف الشعارات الحقوقية الغربية، وبيّنت أن القوانين الدولية وُجِدت من أجل تطبيقها على الدول الضعيفة، كما أوضحت حقيقة أن ما يهم الدول الغنية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، الحفاظ على رفاهيتها وسلطتها وهيمنتها ومصالحها الاقتصادية والجيو-استراتيجية، ولو كان ذلك على حساب العبث بالمبادئ الإنسانية وتفقير دول الجنوب.
عبد المجيد بوشنفى، رئيس الجمعية المغربية للإعلام البيئي والمناخ
|