يؤشّر صعود أحزاب الخضر في أوروبا إلى تغيُّر في التوجهات السياسية. فهي أصبحت تتساوى مع الأحزاب الأوروبية الكبيرة، مما يكشف عن صيرورة تجدر التصوُّر الايديولوجي-السياسي لتلك الأحزاب في المجتمع.
وتُرجِع أغلب الأبحاث انتصار التوجُّه البيئي في أوروبا إلى كَوْن تصوُّراته وخطاباته وأفكاره تلتقي من جهة مع انشغالات الموطنين الأوروبيين بقضايا البيئة والمناخ والانتقال الطاقي، ومن جهة أخرى لما تشهده أوروبا من أحداث مناخية خطيرة، من فيضانات وعواصف وحرائق، ومعاناة سكانها من ارتفاع فواتير الطاقة خلال السنوات الأخيرة. ناهيك عن دفاعه عن الاستدامة والديموقراطية التشاركية وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين وإزالة الفوارق الاجتماعية والعدالة الاجتماعية والتنوُّع الثقافي والفِكري واللغوي. كم يشكِّل منظوره للعلاقات الدولية ثورة على المنظورات الكلاسيكية السابقة، إذ يتأسس على الشفافية والوضوح والمواقف الحادة من الأنظمة التسلُّطية الشمولية التي تنتهك القِيم الديموقراطية والحقوق الأساسية للإنسان.
وقد مثَّل انتصار حزب الخضر في ألمانيا، ووصوله إلى دفّة الحكم فيها، وتشكيله، بجانب الحزب الإشتراكي الديموقراطي والحزب الديموقراطي الحرّ، إئتلافاً حكومياً وحصوله على حقائب وزارية مهمة، كحقيبة وزارة الخارجية التي تحمل مسؤوليتها زعيمة الحزب، أنالينا بيربوك، إشارة قوية لهذا التحوُّل الجوهري في السياسة الأوروبية.
وتشير الدراسات إلى احتمال كبير للعب أحزاب الخضر دوراً كبيراً في المستقبل السياسي الأوروبي، ما دامت قضايا التغيُّر المناخي والبيئي والاستدامة مطروحة بقوة.
كما أن تصاعد أحزاب الخضر لا ينحصر فقط في أوروبا، بل يمتد إلى كندا وأميركا، خاصة من خلال الحضور القوي لأنصار البيئة في الحزب الديموقراطي الأميركي وليس فقط في حزب الخضر، الذي لا يتجاوز الدعم الذي يحصل عليه 2 في المئة من أصوات المقترعين.
ماذا عن أحزاب الخضر العربية؟ الملاحظ أن الأحزاب الإيكولوجية العربية موجودة على مستوى الوثائق والإحصائيات، إلا أن فعاليتها منعدمة، بل هي مجرد ديكور في المشهد السياسي العربي، كما أن أغلبها حديث النشأة في التسعينيات، وتتميز أوراقها التأطيرية بالضعف الفكري وغياب الوضوح الايديولوجي، ولا تختلف عن الجمعيات الأهلية البيئية، إذ لا تمتلك برنامجاً سياسياً واقتصادياً وثقافياً يدعم توجهاتها البيئية.
ولا ينفصل واقع الأحزاب البيئية المغربية (حزب البيئة والتنمية المستدامة، واليسار الأخضر) عن واقع أحزاب الخضر العربية الأخرى، إذ لا يسجل حضورها إلا في فترة الانتخابات، كما أن أدبياتها فقيرة معرفياً وايديولوجياً، ولا تتماشى مع الأحداث والتحوُّلات التي تطرأ في المشهد السياسي العالمي.
وما يزيد من تعقيد وضع الأحزاب التي تقدم نفسها خضراء، تقوقعها على ذاتها، إذ ليس لها أنشطة كما لا تتوفر على تنظيمات شبابية موازية، وتنسيقها مع المجتمع المدني الإيكولوجي ضعيف أو منعدم.
وقد لاحظ المتتبعون للشأن البيئي أنه حتى عندما نظّم المغرب كوب 22، لم يتم تسجيل أي نشاط أو مواكبة واضحين لتلك الأحزاب.
والغريب في الأمر أنه عندما تلِج مواقعها الالكترونية للتعرُّف على هويتها الايديولوجية-السياسية، وأنشطتها، وعلاقاتها الخارجية، يصدمك فراغ، وفقر في المعطيات.
وإذا كان عصرنا، عصر المناخ والتحوُّل الطاقي والانتقال إلى الاقتصاد الأخضر والاستدامة، فإن الأحزاب البيئية المغربية تظل غائبة عن هذه الحركية المناخية والطاقية التي يشهدها العالم.
فالمغرب المعاصر، بالإضافة إلى مشاريعه الطاقية النظيفة، واستراتيجيته المناخية والبيئية، وانخراطه في التنمية المستدامة، هو بحاجة إلى أحزاب خضر قوية بأفكارها وبرامجها وتأطيراتها وانفتاحها على أحزاب الخضر العالمية، تجسد بذلك صيرورة الانتقال الطاقي الذي يعرفه المغرب، كما تدافع عن قضاياه الوطنية، ومصالحه الاستراتيجية، وتنخرط بشكل فعّال في التوجُّه الأخضر الذي يعرفه عالم اليوم.
وفي موازاة الضعف العربي، فقد تزايد عدد أحزاب الخضر عالمياً، التي تجمع في ما بينها مرتكزات البيان الخضر العالمي، وهو بيان سياسي وقّع عليه 800 ممثل لأحزاب الخضر من أكثر من 72 دولة، الذي تم مناقشة مضمونه في أول مؤتمر عالمي للخضر في كانبيرا، أوستراليا في نيسان (أبريل) 2001.
عبد المجيد بوشنفى، رئيس الجمعية المغربية للإعلام البيئي والمناخ