تتأسس الديمقراطية المستدامة على الإشراك الفعلي للفاعلين الاجتماعيين في بناء القرار. فالدولة لم يعد لها الحق في احتكار التدبير البيئي والمناخي، لما لهما من انعكاسات خطيرة على المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وبالتالي على استقرار المجتمع.
وهكذا فالقراران البيئي والمناخي يجب أن يكونا ثمرة حوار بنّاء بين مكوّنات المجتمع (الجماعات المحلية، الفعاليات المدنية، المنظمات غير الحكومية، الجامعات، المعاهد العلمية) والدولة.
يعيش "الوطن" العربي اليوم أسوأ مراحل تاريخه، من فوضى وفقر وبؤس وتبعية مطلقة ومجاعة، ناهيك عن هجرة شعوبه باحثة على الأمن ولقمة العيش.
لقد راهنت المجتمعات العربية على "الربيع العربي" لنقلها وإخراجها من تحت وطأة الاستبداد إلى العيش في رحاب الديمقراطية. ولكن ما حصل كان عكس هذا، إذ لا يزال الصراع قائماً حول السلطة، مما أدى إلى تدمير كل مقوّمات الفعل التنموي المستدام وتحوَّل ربيعها إلى صيف قاحل وشتاء عاصف.
أما الدول العربية التي لم تشهد "الربيع العربي"، فهي غارقة في صراعات، مصنوعة ومخطط لها، في ما بينها، أنستها بناء نفسها من خلال التخطيط والبرمجة وصياغة برامج تنموية هدفها الأساسي بناء الإنسان، باعتباره جوهر وأساس كل تقدم: فلا تعليم، ولا بحث علمي، ولا مشاريع تنموية مستدامة، ولا بناء ديمقراطي يحقق من خلاله المواطن العربي ذاته وكرامته.
إن العالم العربي في حاجة ماسة إلى بناء ديمقراطي مستدام باعتباره أساس الاستقرار الاجتماعي والسياسي. وهو يسمح بتشييد مشروع تنموي مستدام، يراعى فيه توازن الثالوث المستدام: الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، لغرض توفير العيش الكريم للأجيال الحالية والحفاظ على حقوق الأجيال القادمة.
وهذا المشروع المستدام لن يتأتى إلا من خلال توافر العناصر الآتية
*دولة الحق والقانون: يراعى فيها المساواة والعدل وحقوق الإنسان، وتشكّل فيها المؤسسة القانونية، التي هي أسمى مؤسسة، ويخضع لها الجميع، من دون أي تمييز اثني أو عرقي أو لغوي أو ثقافي أو جغرافي أو طبقي أو اجتماعي.
*المقاربة التشاركية: أي استراتيجية تنموية لا يمكنها أن تحمل طابع الاستدامة إلا إذا أشركت في صياغتها وبنائها جميع مكوّنات المجتمع.
*الحكامة الجيدة: التي تنطوي على الشفافية، النزاهة، تفعيل القوانين البيئية لمحاربة كل أشكال التلوُّث للحفاظ على صحة المواطن، الحفاظ على توازن المنظومة الايكولوجية، ربط المسؤولية بالمحاسبة، بلورة مشاريع تستجيب لحاجيات السكان.
*العدالة المناخية: من دون إدماج العدالة المناخية كبعد أساسي في سياسات الحدّ من التغيُّرات المناخية، تبقى جميع المساعي غير ناجعة في الحدّ من الهشاشة والفوارق الاجتماعية والمجالية بين البلدان وداخل البلد نفسه، وبالتالي تعيق التقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي وضعت سنة 2030 سقفاً زمنياً لها.
الدول العربية اليوم، للحفاظ على أمنها واستقرارها، ولاستعادة سلطة القرار، مطالبة بتحصين نفسها بالبناء الديمقراطي والإنصات إلى مجتمعاتها وإشراكها في القرارات الكبرى لتشكيل جبهة داخلية متماسكة تقف في وجه كل عدوان قد يهدد استقرارها وأمنها ومشروعها التنموي المستدام.
عبد المجيد بوشنفى، رئيس الجمعية المغربية للإعلام البيئي والمناخ