Sunday 28 Apr 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
منتدى البيئة
 
نجيب صعب الغسل الأخضر... من الكمّامات إلى علّاقات الثياب | 19/11/2023
السقوط المدوّي لرجل الأعمال الهولندي، الذي ادّعى قدرته على تنظيف المحيطات من البلاستيك، أعاد إلى الواجهة ضرورة التحقّق من المشاريع التي تتلطّى بشعارات "الاقتصاد الدائري" وحماية البيئة، للتأكد من التزامها الوعود والمبادئ والأهداف التي أعلنتها. وإذا كان من الطبيعي لأي نوع من الاستثمارات التجارية أن تحقّق ربحاً، فمن غير المقبول خداع الناس بشعارات ووعود كاذبة، فقط لتحقيق مزيد من الأرباح.
 
حتى قبل أسابيع من اختفائه مع عشرات الملايين التي جمعها من المستثمرين، كان جيورد فاوزر يُعتبر من روّاد الاقتصاد الأخضر في آسيا وأوروبا. وقد وضعته مجلة "فوربس" في يوليو (تموز) الماضي في طليعة رجال الأعمال القادرين على حلّ مشاكل التلوُّث البلاستيكي في العالم، كما وضعت سابقاً صورة سام بانكمان فريد على غلافها، بصفته "مَلِك العملة المشفرة"، قبل أن تنفضح البورصة الوهمية التي أسسها ليسرق من خلالها مليارات الدولارات. وكانت إحدى الهيئات صنّفت فاوزر عام 2022 "أفضل قياديّ في مجال الأعمال المستدامة في آسيا". لكن القصور الخضراء التي بناها من ورق بدأت تنهار تدريجاً، إلى أن كشفت تقارير حكومية وصحافية أخيراً تفاصيل الخديعة التي استمرت ثماني سنوات، بمساعدة شركات العلاقات العامة والصحف ذات الأسماء اللماعة والغلافات المدفوعة الثمن، وفي غياب قوانين صارمة تحدد ما هو "الأخضر" وتميّز الرديء من الجيّد.
 
مع ازدياد الحديث عن إدارة الموارد على نحو مستدام، بإعادة الاستعمال والتدوير والحدّ من تلويث البيئة، طرأت على فاوزر فكرة مثيرة يمكنه من خلالها تحويل الاهتمام إلى مشروع تجاري مربح. انطلقت الفكرة من علّاقات الثياب البلاستيكية في متاجر الأزياء، والمقدّرة بنحو 85 مليار علّاقة سنويّاً. ولأن نوعيتها سيّئة، فهي تُستخدم مرة واحدة لعرض الثياب في المتجر، قبل أن تنتهي إلى مكبّات النفايات ومجاري المياه والمحيطات. الفكرة كانت جمع علّاقات البلاستيك المستعملة، من المحلات كما من مجاري المياه قبل وصولها إلى المحيطات، لاستخدامها في تصنيع علّاقات جديدة، بنوعية أفضل وشكل أجمل، بحيث تتناسب مع تصاميم الأزياء الراقية وتشجّع الناس على إعادة استعمالها.
 
استخدم فاوزر لإطلاق مشروعه عبارات جذابة تستقطب اهتمام المستثمرين والمستهلكين معاً، مثل "تنظيف المحيطات"، و"التخضير"، و"الاقتصاد الدائري". هذه الشعارات النبيلة جذبت عشرات ملايين الدولارات من المستثمرين، بعضهم بهدف ركوب "الموجة الخضراء" لمراكمة الأرباح، وآخرون عن رغبة برعاية البيئة والحفاظ على الموارد، مع تحقيق هامش معقول من الربح. ورافقت بدايةَ الإنتاج عام 2019 حملةٌ كبرى على هامش "أسبوع الأزياء" في لندن، ادّعت أن مصدر البلاستيك المعاد تدويره هو البحر، والمواد المستعملة معادة التصنيع كلياً وقابلة لإعادة التصنيع مرات أخرى. ومع ارتباطه بأسماء دور أزياء راقية، استقطب المشروع مزيداً من التمويل. لكن جائحة كورونا، التي ضربت بعد شهور، عطَّلت تجارة الأزياء، ومعها سوق علّاقات الثياب.
 
غبر أنّ فاوزر وجد في كورونا فرصة تجارية أخرى، فحصل على عقود سخيّة لبيع أجهزة للتنفس الاصطناعي وكمامات للوجه، بمساعدة سياسيين فتحوا له الأبواب بصفته "مستثمراً أخضر"، بعدما سوّقها على أنها "مصمَّمة محلياً" ومصنّعة من "مواد مستدامة" ومكوِّنات قابلة للتدوير. لكن تبيّن لاحقاً أنها جاءت جاهزة من مخازن في الصين ولم تكن تتمتع بالمواصفات المطلوبة. وبعد غروب الجائحة، أعاد "رجل الأعمال الأخضر" إطلاق مشروع العلّاقات من سنغافورة، في حفل ضخم أقامه عام 2022، وَصَفَ فيه منتوجاته بـ"الموجة الزرقاء"، مع حملة إعلامية وقعت في خداعها كبريات الصحف والشبكات التلفزيونية العالمية، التي اعتبرت عمل فاوزر "معجزة ستنقذ البحار من التلوُّث البلاستيكي". لكن عندما "ذاب الثلج وبان المرج" بعد سنة، تبيّن أنّ الوعود كانت سراباً، وأنّ مَصدر 25 في المائة فقط من البلاستيك المستعمل كان من الأنهار والبحيرات، بينما البقية من مكبّات النفايات في الصين. ولم يكن المنتَج النهائي مختلفاً في النوعية والمكوّنات عن أي علّاقات ثياب أخرى من المصانع الصينية. كما تبيّن أنّ العلّاقات الجديدة "المستدامة" تنتهي، مثل سابقاتها، إلى مكبّات النفايات والبحار. حتى أنّ الصين لا تسمح باستقبالها لإعادة التصنيع، لأنها تمنع استيراد البلاستيك المستعمل. وهكذا، تبيّن أنّ البرنامج يقتصر على استبدال نفايات بنفايات، ولا يحمل أيّاً من شروط الاستدامة.
 
ليس جيورد فاوزر الوحيد الذي ركِب موجة الاقتصاد الأخضر الدائري لتحقيق ربح سريع، باستقطاب مموّلين يجدون فيه فرصة سانحة ومستهلكين يتوقون فعلاً إلى المساهمة في رعاية البيئة وتخفيف الانبعاثات. فالأكيد أنّ "الغسل الأخضر"، ممارسة شائعة اليوم بين الشركات الكبرى والصغرى والهيئات الحكومية والخاصة، وفي المنطقة العربية نماذج كثيرة منه. وأوضحُ وصف له هو صرف شركة أو هيئة ما قدراً أكبر من المال والوقت لتسويق نفسها على أنها صديقة للبيئة، مما تصرفه فعلاً لتحسين أدائها البيئي. ومكافحة هذا النوع من الخداع شرط أساسي لتطوير اقتصاد دائري أخضر حقيقي، يقوم على إدارة متوازنة للموارد، ويحقق الربح المشروع في الوقت نفسه.
 
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.