Sunday 22 Dec 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
منتدى البيئة
 
محمود بكر أبو خميس الوقود الحيوي بين الواقع والمستقبل | 02/08/2023
رغم التطوُّر الحضاري والتكنولوجي زمن الثورة الصناعية وما تلاها، فإن العالم ما زال يعاني مخاض الحروب والأزمات التي لا تخبو في جانب حتى تتأجج في جانب آخر. ولم تعد الأزمات التي تواجهها الأمم قاصرة على حروب دامية تشنُّها القوى الكبرى على الأمم المستضعفة لنهب ثرواتها أو لتأمين نفوذها وفرض سيطرتها فحسب، بل تفرّعت الأزمات لتشمل مواجهة صريحة مع الطبيعة والتغيُّرات المناخية، مروراً بأزمات الطاقة والمياه ثم الأوبئة. ولعل لأزمة الطاقة وما ترتب عليها من تداعيات قصب السبق فى هذا الميدان، لارتباطها الوثيق بالبيئة التي يعيش فيها الإنسان. وقد دفع هذا إلى البحث عن مصادر بديلة تنضم إلى مزيج متوازن للطاقة، بينها الوقود الحيوي.
 
أزمة الطاقة العالمية
ارتبط مفهوم الطاقة في حياة الإنسان كارتباطه بظله، بدءاً من استغلال القدماء لحرارة الشمس في التدفئة وتجفيف الثمار، مروراً باستغلال النار في التدفئة والطهي، وصولاً لاستغلال طاقة الأنوية في المفاعلات النووية وتسخير طاقة الرياح وأمواج المحيطات وطاقة المدّ والجَزر والتطوير المستمر في تطبيقات الطاقة الشمسية. وفي حين بدأ الاهتمام بالطاقات المتجددة تخوُّفاً من نقص إمدادات الوقود الأحفوري المعرَّض للنضوب، فقد وضع التخوُّف من الآثار المدمرة للاحتباس الحراري المسبب لتغيُّر المناخ هذه الطاقات في الواجهة، كبديل لا تصدر عنه انبعاثات كربونية.
 
ما هو الوقود الأحفوري؟
الوقود الأحفوري هو الوقود المتحصّل عليه بالحفر في باطن الأرض، متمثلاً في الفحم والبترول والغاز الطبيعي، وهو كان في الأساس غطاءً نباتياً يمتص حرارة الشمس وطاقتها، أو مواد عضوية دُفنت بفعل التغيُّرات البيئية في باطن الأرض محتفظة بطاقة الشمس داخلها.
 
كيف يعمل الوقود الأحفوري؟
لما كانت طاقة الشمس كامنة داخل الوقود الأحفوري، فعند الاحتراق تنبعث هذه الطاقة متحوّلة من صورتها الحرارية إلى صُوَر أخرى من الطاقات، ولعل أبرزها تحويل هذه الطاقة إلى طاقة ميكانيكية حركية تعمل على إدارة التوربينات التي تولِّد الطاقة الكهربائية، أو طاقة حركية تعمل على حركة المكابس في محركات الإحتراق الداخلي للسيارات والمركبات.
 
جهود العلماء لمواجهة الأزمة
تضافرت جهود العلماء منذ سبعينات القرن الماضي لرسم خارطة لمستقبل الطاقة العالمي، لاسيما في المجتمعات الغربية التي باتت تطمح إلى تخفيف المخاطر الناجمة عن الاعتماد على تقلّبات إمدادات الوقود المستورد من الخارج. وكان الاندفاع إلى تعجيل تطوير مصادر بديلة يزداد كلّما انخفضت الامدادات أو ارتفعت أسعار النفط والغاز، مصحوباً في السنوات الأخيرة بالعمل على خفض الانبعاثات الكربونية. وانطلق التفكير في وسائل متجددة للطاقة من ضرورة تجنُّب السَيْر في فلك مفرغ، نهايته كبدايته، باستخدام مصادر معرَّضة للنضوب. فحاول العلماء استغلال طاقة الرياح وحركة الهواء، وتم وضع تصاميم متعددة لتوربينات الهواء لاستغلال تلك الطاقة في توليد الكهرباء وعمليات طحن الحبوب، بينما حاول آخرون استخدام أمواج البحار والمحيطات في إدارة توربينات الطاقة الكهربائية، مروراً بالتطوير المستمر لمجمّعات الطاقة الشمسية ورفع كفاءة الألواح الشمسية وبطاريات تخزين الطاقة.
 
واتجه فريق آخر من العلماء إلى نوع آخر من الطاقات المتجددة، هي تلك الناتجة من المواد العضوية، لاسيما طاقة الكتلة الحيوية (البيوماس)، التي تمثّلت في النباتات أو مخلّفاتها على وجه الخصوص، باعتبارها تُنتج بكميات هائلة تؤهّلها بجدارة أن تكون طاقة متجددة إذا تيسّر إدارتها والتعامل معها، وهو ما يعرف بإسم الوقود الحيوي.
 
الوقود الحيوي
يتميّز الوقود الحيوي في أنه وقود نظيف متجدد يُنتج من الكائنات الحية سواء النباتية أو الحيوانية، ويعتمد على تحويل الكتلة الحيوية للحبوب أو المحاصيل الزراعية، مثل الذرة وقصب السكر، إلى إيثانول كحولي، أو المحاصيل الزيتية مثل فول الصويا وزيت النخيل والشحوم الحيوانية إلى الديزل الحيوي، وهو يُستخدم في عمليات الإنارة وإدارة المركبات. ومن أشهر الدول الرائدة في إنتاج الوقود الحيوي الولايات المتحدة والبرازيل وألمانيا والسويد وكندا والصين والهند.
 
أنواع الوقود الحيوي وأجياله
أشهر أنواع الوقود الحيوي هو الغاز الحيوي المعروف بإسم البيوغاز، والذي ينتج من التخمر اللاهوائي للكائنات الحية، ومنها الإيثانول الحيوي من عملية التخمُّر للكتلة الحيوية ،مثل الذرة وقصب السكر، أو المواد الليجنوسيلولوزية، ومنها الديزل الحيوي الذي يُنتج من تحويل المحاصيل الزيتية مثل فول الصويا وزيت النخيل والشحوم الحيوانية من خلال عملية الأسترة.
 
وقد مر إنتاج الوقود الحيوي بعدة أجيال هي
الجيل الأول، حيث تم الاعتماد على محاصيل غذائية كالذرة وقصب السكر وفول الصويا وزيت النخيل وغيرها من المحاصيل المهمة في إنتاج الإيثانول والديزل الحيوي.
 
الجيل الثاني، الذي اعتمد على المحاصيل غير الغذائية، خاصة المواد الليجنوسيلولوزية لإنتاج الوقود الحيوي السيلولوزي والميثان الحيوي والهيدروجين الحيوي.
 
الجيل الثالث، حيث اتجهت أنظار الباحثين نحو استخدام الطحالب لإنتاج الزيت الطحلبي والذي يمكن توليد ما يقرب من 50 في المئة زيت من وزنه الجاف مع سرعة نموه واستخدام نواتجه الثانوية عالية القيمة في إنتاج الأسمدة والأعلاف.
 
الجيل الرابع، وفيه يتم تحويل الزيت النباتي والديزل الحيوي إلى ما يشبه البنزين، وهو يعتمد على إنتاج وتطوير محركات قابلة لعملية الخلط والتهجين بين الوقود الحيوي والوقود الأحفوري.
 
الوقود الحيوي... الواقع والمستقبل
بينما لا تتجاوز مساهمة الوقود الحيوي حالياً في سوق النقل 10-12 في المئة، يمثّل النفط والفحم والغاز نسبة قد تصل إلى 82 في المئة بحلول عام 2030 كما يتوقع الخبراء، والسبب في ذلك هو انقسام المجتمع العلمي بين مؤيد ومعارض لفكرة التوسُّع في إنتاج الوقود الحيوي، مع العلم أن لكل فريق آراءه المنطقية حول مستقبل الوقود الحيوي.
 
الفريق المؤيد للتوسُّع في إنتاج الوقود الحيوي
يرى هذا الفريق أن التوسُّع في إنتاج الوقود الحيوي له العديد من المزايا، ومنها رخص تكلفته، وإمكانية إنتاجه في أي وقت وفي أي مكان تقريباً، مع توافر موارده الأولية، خاصة إذا تم الاعتماد على الجيل الثاني من المواد السيلولوزية أو الجيل الثالث من الطحالب المائية، مع نظافة هذا المصدر وعدم إضراره بالبيئة، مما يعني اتشاح عرش الطاقة المستقبلي باللون الأخضر وإعلاء قيمة الأراضي الزراعية واستصلاح كثير من الصحاري والأراضي القاحلة، وخلق ملايين فرص العمل، وزيادة ربحية المزارعين والفلاحين، وتنشيط صناعات كثيرة مرتبطة بعملية الزراعة، مثل صناعة الأسمدة والمبيدات الحشرية، مع توافر خطط دعم التنمية المستدامة في الدول النامية، وخفض معدلات الفقر، وتراجع أسعار الطاقة العالمية، وتقليل انبعاثات غازات الإحتباس الحراري، وإنتاج مواد بروتينية لعملية الإنتاج تستخدم في أعلاف الحيوانات.
 
الفريق المعارض للتوسُّع في إنتاج الوقود الحيوي
يرى هذا الفريق أن التوسُّع في إنتاج الوقود الحيوي سوف يؤدي إلى تغيُّر وجهات استخدام الأراضي الزراعية، ومن ثم تحويل الحقول الزراعية المنتِجة للمحاصيل الزراعية الموفرة للغذاء إلى مناجم كبيرة لإنتاج محاصيل الطاقة، مما يصحبه إخلال في التنوُّع الزراعي العالمي، والجور على الغابات والمناطق الخضراء المحمية، وزيادة معدلات انجراف التربة، وارتفاع مستويات التلوُّث المائي والجوّي لزيادة معدلات الأسمدة والمبيدات التي تتطلبها زراعة هذه المحاصيل. كما أن زراعة مثل هذه المحاصيل على حساب المحاصيل الغذائية سوف ينعكس سلباً على الدول النامية، التي تتلقى كثيراً من المعونات الغذائية، مما يؤثر على الأمن الغذائي العالمي، ويؤدي إلى حدوث كثير من الإضطرابات والقلاقل الاجتماعية والسياسية. كما يتوقع هؤلاء الخبراء تنامي الصراع على الموارد المائية لاستخدامها في ري هذه المحاصيل، حيث يحتاج ليتر واحد من الوقود الحيوي من إيثانول الذرة إلى أربعة ليترات كاملة من المياه. ولا شك أن هذه التداعيات ستؤدي أيضاً إلى زيادة معدلات موت الأطفال ونقص أعلاف الحيوانات وزيادة أسعارها.
 
خلاصة القول أن الوقود الحيوي قد يصبح قاطرة نجاة للشعوب والمجتمعات إذا تجنبنا إنتاجه من المحاصيل الغذائية، وتم الاعتماد في إنتاجه على الجيل الثاني من المواد السيلولوزية أو الجيل الثالث من الطحالب، على أن يكون إنتاجه في مناطق استصلاح جديدة أو مناطق قاحلة، مع توفير مصادر المياه المعالجة لإنتاجه حتى لا يتأثر القطاع الزراعي وقطاع المياه والمحاصيل الغذائية الرئيسية، وهنا نكون قد جمعنا بين فوائد إنتاج الوقود الحيوي وقللنا من مخاطر إنتاجه كما يرى الفريق المعارض.
 
 
المهندس محمود بكر أبو خميس، باحث دكتوراه في جامعة وسط الصين الزراعية
 
 
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.