Sunday 24 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
منتدى البيئة
 
نجيب صعب نصف الحقيقة من غوتيريش وبيرول | 09/07/2023
لم يَكَد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يُنهي كلامه عن ضرورة وقف أية استثمارات في الوقود الأحفوري، حتى أكّد المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول الحاجة إلى التحوُّل الفوري نحو مصادر الطاقة المتجدّدة. وإذا كانت الدعوة إلى تسريع العمل المناخي مفهومة، فالتحوُّل الطاقوي الناجح يقتضي اعتماد خطة واقعية تتضمن بدائل، مع جدول زمني قابل للتطبيق، بما يكفل تحقيق التوازن بين العرض والطلب ويمنع انهيارات اقتصادية واجتماعية قاتلة.
 
حذّر غوتيريش، عن حقّ، من أن آليات التدابير المعتمدة حالياً ستقود إلى ارتفاع في معدلات الحرارة يصل إلى 2.8 درجة مئوية مع نهاية القرن، مما يؤدي إلى كارثة تُصيب البشرية جمعاء. ولما كان منع الكارثة يتطلّب خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 45 في المائة مع حلول سنة 2030، وصولاً إلى "صفر انبعاثات" حوالي منتصف القرن، فقد دعا غوتيريش منتجي الوقود الأحفوري، من فحم حجري ونفط وغاز، إلى اعتماد خطط تضمن "وقف الاستثمارات الجديدة في جميع أنواع الوقود التقليدي، من الاستكشاف إلى الانتاج والتكرير والتوزيع". كما دعا المؤسسات المالية لتحويل التمويل المخصص للنفط والغاز إلى استثمارات في الطاقات المتجدّدة، إلى جانب تمويل التحوُّل الطاقوي العادل في الدول النامية. ومن هذا مساعدة هذه الدول في مواجهة آثار التغيُّر المناخي وخفض الانبعاثات، مع دعم جهودها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وهو طلب من صناعات الوقود الأحفوري الالتزام بالأهداف التي وعدت بها لخفض الانبعاثات من عملياتها، وقيادة عملية التحوُّل إلى الطاقات المتجدّدة، باستخدام المكاسب المفاجئة التي هبطت عليها عام 2022. كما وجَّه نقداً حاداً لهذه الصناعات، لأن استثماراتها في الطاقة النظيفة وعمليات التقاط الكربون وتخزينه لم تتجاوز نسبة 4 في المائة مما صرفته على عمليات الحفر والاستكشاف للنفط والغاز.
 
بعد أيام من حديث غوتيريش، أطلق المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول تصريحات يُفهم منها حصر مشكلة الاحتباس الحراري وتغيُّر المناخ بصناعة الوقود الأحفوري. فهو طالَب الدول المنتجة للنفط والغاز باعتبار انعقاد قمة المناخ المقبلة (كوب 28) في الإمارات، وهي من كبار المنتجين، فرصة لإثبات حقيقة التزامها بخفض الانبعاثات. وقال إن لدى صناعة النفط والغاز التكنولوجيا والمال والخبرة الكافية لخفض انبعاثاتها بنسبة 60 في المائة مع حلول 2030، وعليها مسؤولية تحقيق هذا الهدف "لأن هذه ساعة الحقيقة: فإذا أرادت صناعة النفط والغاز أن تؤخذ على محمل الجد في مفاوضات المناخ، عليها تنظيف أعمالها أولاً". وعلى غرار غوتيريش، دعا بيرول إلى وقف الاستثمارات الجديدة في الوقود الأحفوري، وحصر التمويل في الطاقة المتجدّدة.
 
هناك ما يبرّر تحذيرات غوتيريش وبيرول، إلا أنها لا تعبّر إلا عن وجه واحد من الحقيقة، وتتحدث عن منتجي النفط والغاز بلغة عدوانية، واضعةً إيّاهم في خانة المتَّهم بارتكاب جريمة ضد الإنسانية. وفي هذا تركيز ظالم على الانتاج مع إهمال جانب الاستهلاك، لأن المنتجين يلبّون طلبات المستهلكين، وإذا خففوا الإنتاج تُوجَّه إليهم تهمة الاحتكار. فلماذا لا يطالِبان الدول الصناعية أيضاً بتنظيف الكربون الذي أطلقته في الأجواء عبر السنين؟ صحيح أن نسبة الزيادة في استهلاك الطاقة الأحفورية تناقصت في السنوات الأخيرة، بسبب تعزيز الكفاءة ودخول مصادر الطاقة المتجدّدة، خاصة الشمس والرياح، كلاعب رئيسي في الأسواق. لكن الصحيح أيضاً أن كمّيات الانتاج استمرت في الارتفاع، وإن على وتيرة أبطأ، بسبب النمو الاقتصادي والزيادة السكانية، وهي لم تنخفض إلا خلال فترات الحجر بسبب كورونا. وسيستمر الوضع على هذه الحال لسنوات، إلى أن يستقر حجم الطلب على الوقود الأحفوري قبل أن يبدأ بالانخفاض، مع زيادة الانتاج من الطاقات المتجدّدة والبديلة. وقد يكون من الضروري، للالتزام بأهداف تخفيض الانبعاثات وفق الجدول الزمني المعتمد، إعادة الاعتبار للمفاعلات النووية في المدى المتوسط، ريثما تنتشر الطاقات البديلة والهيدروجين، بما تسمح به المحدوديات العلمية والعملية والاقتصادية.
 
إلى أن يحين ذلك الوقت، سيبقى الوقود الأحفوري عنصراً رئيسياً في مزيج الطاقة. والدعوة إلى وقف الاستثمارات كلياً غير واقعية، لأن تلبية الطلب على النفط والغاز، حتى الوصول إلى الذروة خلال سنوات، تحتاج إلى استثمارات جديدة، كما تتطلب فترة الاستقرار والتراجع استثمارات للحفاظ على الحد الأدنى من الانتاج، أكان بصيانة الآبار الموجودة أو استكشاف بدائل عن التي تنضب منها. وقد نسمع السيد بيرول مطالِباً بزيادة إنتاج النفط والغاز حين تضطرب الأسواق وترتفع الأسعار، بسبب نقص الانتاج من مصادر أخرى أو أحداث طارئة، كما حصل تكراراً. لكن تلبية هذا الطلب ستكون صعبة إذا توقفت الاستثمارات على نحو مفاجئ.
 
لعلَّ نقطة الاختلاف الأساسية في كلام غوتيريش دعوته إلى وقف تمويل مشروعات التقاط الكربون وتخزينه، وتحويل كامل الميزانيات إلى الطاقات المتجدّدة. وفي هذا يضع كلّ الرهانات في سلّة واحدة، مما يعرّض أمن الطاقة لمخاطر جمّة. فالأبحاث والتطبيقات الجارية حالياً في مجال الكربون الدائري تفتح الباب على نتائج واعدة، لا تقتصر على سحب الكربون الناجم عن الوقود الأحفوري وتخزينه، بل تتعدى هذا إلى إعادة استعماله، خصوصاً في عمليات إنتاج الهيدروجين بكميات كبيرة وأسعار رخيصة، مما سيمثّل النقلة النوعيّة الكبرى في تخزين الطاقة المتجدّدة وتوزيعها. وإلى جانب الدول الصناعية، تستثمر دول نفطية كبرى، خصوصاً السعودية والإمارات، في تطوير إنتاج جميع أنواع الهيدروجين، أكان من الطاقات المتجددة أو من التقاط المنتجات الجانبية للنفط والغاز. فالنجاح في تطبيق تقنيات الكربون الدائري، إلى جانب الطاقات المتجددة، يساهم في الوصول إلى الحياد الكربوني وفق الجدول المحدَّد. لكن تطبيقات التقاط الكربون وإعادة استعماله أو تخزينه لن تكون مستدامة، في المدى الطويل، إذا لم يتم التوصُّل إلى حلول فعّالة ورخيصة تُلغي الانبعاثات الضارة في جميع المراحل.
 
المهمّ هو استمرار الحوار المنفتح، انطلاقاً من الاعتراف بضرورة العمل الجدي السريع لمجابهة التغيُّر المناخي وآثاره. لكن هذا يستدعي عدم استبعاد أية تدابير وحلول ممكنة، والعمل في الوقت ذاته على بدائل متنوعة، إذ لا وقت لانتظار فشل أحد الحلول المقترحة قبل اعتماد حلّ آخر. على الجميع خفض الانبعاثات فوراً وصولاً إلى الحياد الكربوني، بجميع الأساليب المتاحة، بما فيها تعزيز الكفاءة وترشيد الاستهلاك، وليس التكنولوجيا فقط.
 
التصدي للتغيُّر المناخي يتطلب خفض الانبعاثات الكربونية، وليس منع نوع محدّد من الوقود. لكن إذا تبيّن أن الوصول إلى "صفر انبعاثات" في الوقت المحدّد يتطلب الحدّ من استخدام أي نوع من الوقود أو وقفه، علينا أن نقبل بهذا أيضاً، قبل فوات الأوان.
 
الحل ليس في خطب غوتيريش وبيرول، التي تكتفي بنصف الحقيقة، كما أنه ليس عند المشككين الذين ينكرون تغيُّر المناخ ويعتبرونه مؤامرة.
 
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.