تتفاوت إمكانية الحصول على طعام في العالم بشدة وعلى نحو مستهجن. فمع وجود زيادة في إنتاج الغذاء، وإفراط في استهلاكه، يعاني ملايين البشر ندرته ويقاسون الجوع. ومن الأسس التي تُشكِّـل نظام الغذاء ومن يملك الهيمنة عليه في العالم، مبادئ الملكية الذهنية الوثيقة الصلة بأسس التنوع الأحيائي، الذي هو ضرورة أساسية للأمن الغذائي. ويرى نفر من المراقبين أن المبادئ المنظمة للملكية الذهنية هي في موقع اللُّبِّ من الصراع من أجل توزيع الثروة والقوى في القرن الواحد والعشرين.
يقول ميشال جولين في كتابه "الحثُّ على الابتكار - استراتيجيات الملكية الذهنية في عالم متغير": "تتفاوت مبادئ الملكية الذهنية في طبيعتها، من مضللة إلى شبه مبهمة، ويتخذ القائمون على إدارة هذه الحقوق أحياناً سَـمْتَ من ينتمون إلى جمعية سرية. وتساعد حقوق الملكية الذهنية في تحديد أي الابتكارات يكون مشاعاً، وأيها لا سبيل إليه، مميزة بين من يملكون الابتكار ومن لا يملكونه. ويتخلف عن الملكية الذهنية رابحون وخاسرون. إن الملكية الذهنية هي التي تصوغ المجتمع، إما صياغة حسنة، وإما سيئة".
لم تكن القوى الاستعمارية، منذ القرن السادس عشر، ترى من العالم إلاَّ ما يتفق ومصالحها الاقتصادية. فرسَّــمت الحدود الدولية وأمَّنـت الموارد لصالحها، وترتب على ذلك التأسيس لأنظمة تجارية ونزاعات مستقبلية لا تزال أصداؤها تتردد في جنبات الأرض. وبالرغم من أن زمن المستعمرات انقضى، أو كاد، وفي وجود ما يقرب من مئتي دولة مستقلة، فإن الدول الأقوى لا تزال قادرة، من خلال سلسلة المفاوضات التي تفتقد للتوازن تماماً، على إملاء الأسس التي يقوم عليها العالم وفق مصالحها. وهي تهتم الآن بمسائل مبهمة (مثل الملكية الذهنية واستخدام الموارد الجينية) تمَّ الاتفاق في تسعينات القرن الماضي على قواعد عالمية لها، سيكون لها أكبر الأثر في رسم صورة مستقبل الهيمنة على الغذاء. ولقد اتسمت تلك المفاوضات بالتعقيد في غالب الأحيان، وتمت بمنأى عن بلايين البشر الذين سيقعون تحت تأثيرها، فلم يعرفوا عنها إلاَّ القليل.
إن سبل العيش لبليونين ونصف بليون من الناس معرَّضة للخطر، إذ انهم لا يزالون يعتمدون اعتماداً مباشراً على الزراعة وتأمين الغذاء لمدى طويل. ومن ناحية أخرى، فإن نظام الملكية الذهنية، كعامل مستحدث في كثير من الدول، إلى جانب نظام تجاري غير مستقر واتفاقيات تنوع أحيائي جديدة، ستتضافر كلها في تشكيل نوع التطور الزراعي في المستقبل. وهو تطور قد يشمل معظم البليونين ونصف البليون المعرضين للخطر، وقد يستبعدهم، وسوف تتأثر أسباب معيشتهم في أي من الحالين. والأكثر من ذلك أننا جميعاً سنتأثر بالأسلوب الذي وُضعـت به هذه القواعد، من حيث أنها ستساهم في تحديد ملامح نظام الغذاء وأنواع منتجاته، والأنسـاق التي تنقل من خلالها تلك المنتجات. ومن الأهمية بمكان أن نكون على دراية بهذه المجموعة من القواعد، لأن ما يطرأ على أحدها من تغيرات يؤثر في بقيتها.
|