بعد جولات طويلة من المفاوضات التي أعقبت قمة غلاسكو المناخية قبل سنة، يلتقي زعماء العالم غداً في شرم الشيخ لافتتاح القمة السابعة والعشرين (كوب 27). وبعد يومين من الخطب، التي تطرح فيها الدول تصوّراتها وشروطها، ويحدّد فيها الزعماء إيقاع المفاوضات، تتابع الوفود نقاشاتها، قبل أن يلتقي الوزراء في الأيام الأخيرة من الأسبوع الثاني لإعلان حصيلة المؤتمر. وهي تفاهمات تستجيب لبعض ما يقوله العِلْم، تحت سقف المصالح المتضاربة وما يمكن تنفيذه على أرض الواقع. وتُعقد القمة هذه السنة تحت شعار "معاً نحو التنفيذ"، الذي يعبّر عن الحاجة الملحّة إلى الانتهاء من الكلام والوعود والالتزامات الضعيفة، للبدء بالعمل الجدّي في مجابهة التغيُّر المناخي.
ليست جائحة كورونا وحرب أوكرانيا الحدثين الوحيدين الكبيرين، منذ قمة غلاسكو، اللذين سيتركان آثاراً ضخمة على العمل المناخي. فقمة 2022 تلتئم على وقع كوارث مناخية غير مسبوقة ضربت العالم وتركّزت خسائرها في الدول النامية: من الفيضانات التي غمرت باكستان وخلّفت آلاف القتلى وعشرات ملايين النازحين الذين فقدوا المأوى ومورد الرزق، ولم توفّر القارة الأميركية، إلى الجفاف الذي ترك الملايين يموتون جوعاً في القرن الأفريقي، ولم يوفّر أوروبا والصين. فهل يقود الإحساس بحراجة الموقف إلى وضع الاهتمامات المناخية الضاغطة فوق الانهيارات الاقتصادية والخلافات السياسية والحروب؟ أم أنّ هذا التمني لا يتجاوز أن يكون حلم ليلة صيف؟ غداً سيتّضح الإيقاع في خطب قادة الدول: فإما أن يعطوا العمل المناخي الأولوية ويحيّدوه عن الصراعات، وإما أن ينقلوا نزاعاتهم إلى شرم الشيخ، باستغلال المنبر لتأجيج الخلافات وتوسيع الشقاق. وخلافاً للقمم السابقة، فقد نكتشف الإيقاع سريعاً هذه المرة، في الجلسة الإجرائية الأولى، التي تمر عادةً بلا عقبات، بإقرار جدول أعمال متفق عليه مسبقاً. فهل يحصل اتفاق على ادخال بند التعويضات التاريخية تحت عنوان الأضرار والخسائر؟ وهل تتخذ روسيا، مثلاً، من جدول الأعمال حجة للعرقلة؟ مع الإشارة إلى أن جميع مقررات قمم المناخ تتطلب حصول إجماع.
يتفق الجميع على أنّ الالتزامات الطوعية، أكانت تتعلّق بتخفيض الانبعاثات أم بتمويل العمل المناخي، لم تعد تكفي. فحتى اليوم، تُرِكت للدول حرّية تحديد أهدافها المناخية الوطنية، مع آليات ضعيفة للمراقبة، كما تُرِك للدول المانحة تحديد حجم تعهّداتها، التي غالبا لا تُسدَّد كاملة. ولما كانت القمة تُعقد تحت شعار التنفيذ وتحقيق إنجازات حقيقية، ففي أولوياتها الاتفاق على حدّ أدنى للالتزامات وآليات صارمة لمراقبة التنفيذ ونشر النتائج بصورة علنية. والهدف وضع الحكومات أمام مسؤوليتها، من أجل تحديد أوجه التقصير. وتبقى خلافات على الجهة المستقلة التي تتولى مهمة التحقّق من التنفيذ، كما على الإجراءات الممكنة ضد المخالفين. فالدول النامية خصوصاً ما تزال ترفض القبول بالمراقبة من أية جهة خارجية، بحجة السيادة الوطنية.
حتى قبل يوم واحد من افتتاح المؤتمر، لم يتفق المفاوضون بعد على آلية محدّدة لقضية "الخسائر والأضرار"، وكيفية توزيعها على الدول، وفق حجم مسؤوليتها التاريخية عن الانبعاثات الكربونية المسببة للتغيُّر المناخي. الدول الصناعية الغنية تتجنّب أن تفتح على نفسها باب التعويضات على مصراعيه، خشية أن تتوسّع مطالبات الدول الفقيرة وتمتد إلى عشرات السنين. وهي لذلك ما برحت تعارض إنشاء صندوق خاص للتعويضات التاريخية، وتطالب بدمجه ضمن آليات التمويل الموجودة.
وإذا كان من المتوقع أن تتوصّل القمة إلى تفاهم على زيادة حصة تدابير "التكيُّف"، أي الاستعداد لمواجهة آثار التغيُّرات المناخية، مقارنة بالأموال المخصصة لخفض الانبعاثات، فالمرجح ألا تتجاوز حدود الاتفاق إعادة توزيع الحصص ضمن الميزانيات الموجودة، بينما المطلوب زيادتها أضعافاً.
على جدول أعمال القمة الحالية زيادة المساهمات المالية لتمويل العمل المناخي. لكن فيما سيكرّر الخطباء التذكير بتعهدات الدول الغنية ضخ 100 مليار دولار سنوياً في صندوق المناخ، ستكشف الأرقام أنّ هذا الصندوق ما زال يعاني عجزاً كبيراً. ويعرف الجميع أنّه حتى لو تم تسديد المبلغ بالكامل، فهو يبقى جزءاً يسيراً فقط من المطلوب لمعالجة حقيقية للمشكلة.
وإلى جانب مراجعة تعهّدات التمويل في غلاسكو قبل سنة، فعلى جدول أعمال قمة شرم الشيخ زيادة مستوى الأهداف الوطنية بما يحقق خفضاً أكبر وأسرع للانبعاثات حتى سنة 2030. والسبب أنّ التعهّدات الطوعية حتى ذلك التاريخ، حتى في حال تنفيذها بالكامل، ستؤدي إلى ارتفاع معدلات الحرارة درجتين ونصف الدرجة، بينما المطلوب إبقاؤها تحت الدرجة والنصف، لتجنُّب كوارث لا يمكن التعامل معها. لكن خلال سنة، لم يتجاوز عدد الدول التي رفعت مستوى التزاماتها بخفض الانبعاثات الثلاثين، من بينها مصر والهند وإندونيسيا.
قد لا تنجح قمة شرم الشيخ في تحقيق كل الأهداف التي كانت منتظَرة منها، قبل احتدام الصراعات الدولية الجيوسياسية والانهيارات الاقتصادية. لكن يمكنها التأكيد على جملة من المبادئ الأساسية، في طليعتها حتمية الحفاظ على الحدّ الأدنى من التعاون الدولي في قضايا المناخ. وإذا كان من غير المتيسّر حالياً تحقيق الزيادة المطلوبة في حجم التمويل المناخي، يمكن للقمة، في الحدّ الإدنى الممكن، الاتفاق على سلسلة من الإجراءات لإعادة توزيع التمويل المتوفّر على نحو أكثر فعالية، بما يخدم العمل المناخي، سواءٌ لتخفيف الانبعاثات أو التكيُّف مع المتغيّرات. كما أن على مؤسسات التمويل الدولية أن تتعهّد في القمة بتحويل الجزء الأكبر من برامجها لدعم المشاريع والبرامج المتوافقة مع الأهداف المناخية، حتى وإنْ لم تتمكّن من زيادة ميزانياتها بالمستوى المطلوب.
ومن الأهداف الممكنة، رغم أجواء العالم المتشنّجة والكئيبة، الاتفاق على آلية دقيقة لتقييم التقدُّم في تحقيق التعهّدات الطوعية بخفض الانبعاثات، ونشر النتائج علناً لتكون تكريماً للملتزمين وعقاباً معنوياً للمقصّرين. كما يجب اشتراط تنفيذ التعهّدات المناخية غير المحقَّقة، وفق ما يُظهره التقييم، قبل الموافقة على أي تمويل إضافي. لكن إذا أمكن تطبيق هذا الشرط على الدول الفقيرة التي تحتاج إلى مساعدة، فمن يحاسب الدول الغنية التي تقصّر في تنفيذ التزاماتها، أكان في خفض الانبعاثات أم تسديد حصّتها في التمويل المناخي؟
الدبلوماسية المصرية ستكون أمام امتحان كبير في الأسبوعين المقبلين. فهل تنجح في التوفيق بين المصالح المتضاربة واجتراح تسويات تتقدّم بالعمل المناخي خطوة إلى الأمام؟ أم أنّ الصراعات الدولية المتعاظمة وأحلام السيطرة والتوسُّع، من الأمبراطوريات القديمة والجديدة، ستجعل المهمة مستحيلة، فنكون مرة أخرى أمام تأجيل جديد بدلاً من التنفيذ؟