قبل 32 قرناً، توقف القائد المقدوني الإسكندر الأكبر عند قرية مصرية على ساحل البحر المتوسط، هي "راقودة"، وأطلَّ على جزيرة صغيرة في مواجهتها، هي "فاروس"، والتمعت في ذهنه صــورة مدينة جديدة، فكانت الإسكندرية، التي أصبحت واحدة من أهم عواصم العالم القديم، إلى أن غيبتها الحركات الأرضية، فبادت وغمرتها مياه المتوسط.
توضح الدراسات الجيوفيزيقية تكرارية تعرض موقع الإسكندرية لزلازل قوية (6,3 إلى 8 درجات، بمقياس ريختر) بمعدل 8 مرَّات كل 900 سنة، وتأثر منطقة الآثار الغارقة في الإسكندرية بنحو 80 زلزالاً منذ العام 251 الميلادي، تراوحت شدتها بين 4 و8 درجات. ومنها زلزال 1303، الذي هدم "منار الإسكندرية" أحد عجائب الدنيا السبع، وكان طوله البالغ 120 متراً يجعله أعلى مبنى في عصره. وقد ضرب ذلك الزلزال شرق البحر المتوسط، ودمر حصون الإسكندرية وأسوارها ومنارها.
فهل تتعرض الإسكندرية لظروف مشابهة؟
تقع مصر في إحدى أكثر مناطق العالم حساسية للآثار الضارة المتوقعة لتغير أحوال المناخ العالمي، إذ ستكون عُرضة لتدنّي الإنتاجية الزراعية، ولأكبر احتمالات احتباس المطر، وضربات الموجات الحرارية، والتناقص الطويل الأمد في موارد المياه، وفقدان الأراضي الساحلية الخفيضة، وظروف مناوئة هائلة تطاول التجمعات البشرية والأنظمة الاجتماعية الاقتصادية. ويبرز الارتفاع المتوقع في مستوى سطح البحر، على وجه الخصوص، كمصدر للخطورة.
يلاحظ الخبراء أنه بينما يقل تأثر مساحة الأرض في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بارتفاع مستوى سطح البحر، مقارنة بالعالم، على وجه العموم (0,25 في المئة مقابل 0,31 في المئة عند ارتفاع مقداره متر واحد في مستوى سطح البحر)، فإن المؤشرات الأخرى تنذر بعواقب وخيمة لارتفاع مستوى سطح البحر في هذه المنطقة. عند ارتفاع متر واحد، سيتأثر 3,2 في المئة من الكتلة السكانية في المنطقة (مقابل 1,28 في المئة في العالم كله)، وسينخفض الناتجُ المحلي الإجمالي بنسبة 1,49 في المئة (مقابل 1,30 في المئة عالمياً)، وستتأثر حياة 1,49 في المئة من سكان المدن في تلك المنطقة (مقابل 1,02 في المئة عالمياً)، وسيغرق 3,32 في المئة من الأراضي الرطبة (مقابل 1,86 في المئة عالمياً).
وتُظهرُ دراسة حديثة أجراها البنك الدولي أن مصر ستكون الأكثر تأثراً من حيث النسب المئوية للضرر الواقع على الناتج المحلي الإجمالي والإنتاج الزراعي. فمما لا شــك فيه أن دلتا نهر النيل، ومدن الإسكندرية ورشيد وبورسعيد وما في محيطها، هي الأكثر تعرضاً للغرق في منطقة شمال أفريقيا. فالدلتا معرّضة بصورة مباشرة لغرق مساحات الأراضي المنخفضة والمناطق الساحلية الواقعة أصلاً تحت مستوى سطح البحر. فإن أخذنا في الاعتبار أن منطقة دلتا النيل تنتج 60 في المئة من الإنتاج الزراعي المصري، وأن 50 في المئة من الأنشطة الصناعية والاقتصادية في مصر مركَّـزَة في المدن السابق ذكرُها، فالمتوقع أن تكون الخسائر المصرية فادحة إن لم تتخذ إجراءات بشأنها.
|