Sunday 22 Dec 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
منتدى البيئة
 
حسّان التليلي ماذا ينتظر فرنسا بيئياً في الولاية الثانية؟ | 25/05/2022
هل يواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ولايته الثانية التحديات البيئية عبر الفعل أم يكتفي بمواصلة الخطاب المعسول؟
 
خلال الحملة المُمهِّدة للدورة الانتخابية الرئاسية الثانية، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مدينة مرسيليا يوم 16 نيسان (أبريل) 2022 إن ولايته الرئاسية الثانية في حال فوزه "ستكون بيئية أو لا تكون". وقد إضطُر ماكرون إلى إطلاق هذا الشعار بعد أن أجمع المختصّون في شؤون البيئة والقضايا المتعلقة بإشكالية التغيُّر المناخي على أن برنامج جان لوك ميلانشون مرشح حركة "فرنسا الأبية" المنتمية إلى أقصى اليسار هو الأفضل ضمن برامج المرشحين إلى هذه الانتخابات حول سُبل مواجهة المشاكل المتعلقة بالبيئة والتنمية في فرنسا. ولاحظ ماكرون بنفسه من خلال نتائج الدورة الانتخابية الرئاسية الأولى التي جرت في العاشر من الشهر ذاته أن جزءاً كبيراً من أصوات الناخبين الشبّان ذهب إلى ميلانشون لأن أصحابها مقتنعون بأن هذا المرشح الذي حصل على قرابة 22 في المئة من الأصوات في أعقاب تلك الدورة هو الذي لديه -على عكس المرشحين الآخرين- برنامج طموح ومتكامل بشأن سُبل تعزيز منطق الاستدامة من خلال مقاربة تأخذ في الحسبان الاعتبارات البيئية والاجتماعية والاقتصادية في العمل التنموي.
 
لذلك حرص الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثناء حملته الانتخابية الرئاسية القصيرة التي سبقت الدورة الثانية على إطلاق شعاره الذي قال فيه إن ولايته الرئاسية الثانية "ستكون أو لا تكون". حتى انه ذكر في مدينة مرسيليا، حيث يحظى جان لوك ميلانشون بشعبية كبيرة لدى الشباب، أنه سيجعل من الهَمِّ البيئي الرهان الأساسي الواجب كسبه خلال السنوات الخمس المقبلة من خلال التركيز على مبدأ "التخطيط البيئي". وقد فرض هذا المصطلح نفسه في السنوات الأخيرة على خبراء البيئة والتنمية المستدامة والمساهمين في تفعيل العلاقة بين البيئة والتنمية في البلدان الغربية بوصفه منهجية يمكن أن تكون ناجعة لتخطي إشكالية الالتزامات التي يتم التعهد بها ولاَ يُوفى بها.
 
ويقول سيباستيان تريير، مدير معهد التنمية المستدامة والعلاقات الدولية الفرنسي، إن نجاح هذه المنهجية يتطلب الإيفاء بعدة التزامات يمكن حصر أهمها في 5 نقاط هي:
 
أولاً: تحديد أهداف واضحة المعالم على المديين المتوسط والبعيد.
ثانياً: ضبط استراتيجية تفعيل هذه الأهداف، أو جزء مهم منها، على مراحل من خلال توافر إرادة سياسية قوية لاسيما لدى أصحاب القرار على المستويات الوطنية والإقليمية والمحلية.
ثالثاً: التركيز أساساً في إطار هذه الاستراتيجية على آلية تعبئة مُحْكَمة تتعلق بالاستثمارات الكبرى المتأتية من القطاع العام لتمويل مشاريع الانتقال المتدرج من مرحلة الاعتماد على مصادر الطاقة الأحفورية الملوِّثة إلى مرحلة استخدام مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة.
رابعاً: تعبئة الطاقات البشرية لدى الأطراف الفاعلة في عمليات الإنتاج والتوزيع والاستهلاك للمساعدة على إنجاز هذه الاستراتيجية.
خامساً: وضع آلية متابعة لِما أُنجز ولِما لم يُنجز، والعمل على اتخاذ الإجراءات الضرورية لتدارك الهفوات أو لتصويب الأخطاء بشكل ينعكس إيجاباً في نهاية المطاف على الاستراتيجية المعتمدة.
 
وثمة إلحاح لدى خبراء التنمية المستدامة على أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مضطر خلال فترته الرئاسية الثانية التي ستستمر حتى ربيع 2027 إلى استخدام مِثل هذه المنهجية حتى لا يظل رصيده في مجال العمل البيئي هزيلاً أو مجرد كلام معسول. وترى منظمات المجتمع المدني الفرنسية التي تعنى بالعلاقة بين البيئة والتنمية، أن بصمة ماكرون الأول طبعها هذا الخطاب الذي دأب الرئيس على إلقائه أمام الناخبين خلال الحملات الانتخابية أو في المحافل الدولية من على منابر المؤتمرات والندوات والتظاهرات الأخرى الكثيرة حول الموضوع والتي تَرُوج فيها سوق الخطابات المعسولة والالتزامات غير الدقيقة وغير المُلزِمة.
 
الهندسة البيئية الحكومية الفرنسية الجديدة
والحقيقة أن تركيبة الحكومة الفرنسية الجديدة التي تم الإعلان عنها في 20 أيار (مايو) 2022 جعلت كثيراً من متابعي السياسيات البيئية المعتمدة في البلاد منذ عقود يشككون في الشعار الذي أطلقه ماكرون خلال حملته الرئاسية الأخيرة، والذي التزم بموجبه بجعل الملف المرتبط بتخضير الاقتصاد الفرنسي وبالاعتبارات البيئية والاجتماعية المتعلقة بالدورة الاقتصادية في صدارة اهتماماته خلال السنوات الخمس المقبلة. فهم يرون أن الهندسة التي يقوم عليها بناء التشكيلة الحكومية الفرنسية الجديدة في مجال البيئة تُغري، ولكنها يمكن أن تضلل الرأي العام الفرنسي بشكل عام، والناشطين في المجال البيئي بشكل خاص. فهذه الهندسة تجعل من رئيسة الوزراء الجديدة إيزابيل بورن مسؤولة مباشرة عن التخطيط في مجالي البيئة والطاقة. وتشرف رئيسة الوزراء بشكل مباشر في هذا الإطار على عمل وزارتين اثنتين وكتابة دولة أي "وزارة دولة" حسب المصطلح المستخدم في البلدان العربية المشرقية. أما الوزارتان فقد خُصّصت إحداهما للانتقال البيئي والتناسق الإقليمي. وعُهد لإيميلي دو مونشالان إدارة هذه الوزارة. وخصّصت الوزارة الأخرى لـ"الانتقال في مجال الطاقة". وتقودها هي الأخرى سيدة تدعى أنييس بانييه روناشيه. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن كتابة الدولة الجديدة المهتمة بالشأن البيئي والتنمية والمندرجة في إطار التشكيل الحكومي الفرنسي الجديد تهتم بالشأن البحري. كما أضيفت للهندسة الجديدة أمانة عامة تُعنى بالإنتقال البيئي.
 
وصحيح أن إدارة الملفات البيئية في العمل الحكومي الفرنسي انطلاقاً من هذه الهندسة أمر محمود في ذاته. فلأول مرة يُمنح الشخصُ الذي يتولى رئاسة الوزراء في فرنسا صلاحيات واسعة ومباشرة لإدارة الملفات المتعلقة بالسياسة البيئية انطلاقاً من أجهزة وزارية وغير وزارية تابعة لها. ولكن تساؤلات كثيرة بدأت تُطرح بشأن طبيعة الصلاحيات الحقيقية التي سيمنحها رئيسُ الدولة لرئيسةَ الوزراء الجديدة. وتُطرح أسئلة أخرى حول مدى تمكّن هذه الأجهزة من تجاوز عقبة الثقل البيروقراطي الذي لا يزال يكبل إلى حد كبير أداء الأجهزة الحكومية العاملة في هذا المجال وفي مجالات حيوية أخرى.
 
زِد على ذلك أن كتابة الدولة المخصصة للبحر، في تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة، تُعَدُّ حسب المشكّكين في السياسة التي يرغب الرئيس ماكرون في انتهاجها في مجال البيئة والتنمية خياراً غير مُصيب، لأن البحر كانت لديه وزارة بكاملها لا كتابة دولة في الحكومة السابقة التي كان يترأسها جان كاستيكس، ولأن فرنسا هي اليوم، بفضل مقاطعات ما وراء البحار، القوة البحرية الثانية في العالم من حيث حجم مياهها الواقعة في البحار والمحيطات بعد الولايات المتحدة الأميركية. ونظراً لأهمية البحار والمحيطات في احتداد مشاكل التغيُّر المناخي وانعكاساته السلبية من جهة، وأهميتها من جهة أخرى في إيجاد حلول كثيرة لعدة قضايا لديها علاقة مثلاً بالتغذية والتنوع الحيوي والطاقة، كان لابد أن يعزز ماكرون في الهندسة المتصلة بعلاقة البيئة والتنمية في الحكومة الجديدة الأطرَ التي تُعنى بهذه القضايا بدل تحجيمها. بمعنى آخر كان على رئيس الدولة على الأقل الإبقاء على وزارة تُعنى بالبحر.
 
وبرغم الانتقادات الكثيرة التي صدرت عن عدة أطراف فرنسية وغير فرنسية تهتم بملف البيئة والتنمية بشأن الإطار الحكومي الجديد الذي استحدثه الرئيس ماكرون للتعامل مع الملف خلال فترته الرئاسية المقبلة، فإن عدداً من الخبراء بينهم جان فرانسوا جوليار، مدير عام فرع منظمة "غرينبيس" في فرنسا يرون أن الخطوات الأولى التي ستُقدم عليها الحكومة الفرنسية الجديدة في هذا المضمار ستكون فعلاً مؤشراً عما إذا كان ماكرون الثاني يرغب في إحداث اختراق حقيقي أم أنه سيواصل سياسة الاكتفاء بالخطب المعسولة التي أُخذت عليه حتى الآن.
 
 
الدكتور حسّان التليلي كاتب صحافي ومحلل مختص بسياسات البيئة والتنمية الدولية، مقيم في فرنسا
 
 
 
الصورة، من اليمين: وزيرة الانتقال في مجال الطاقة أنييس بانييه روناشيه، رئيسة الوزراء الفرنسيو إليزابيت بورن ووزيرة الانتقال البيئي والتناسق الإقليمي إيميلي دو مونشالان
 
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.