Monday 29 Jul 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
منتدى البيئة
 
عبد الهادي النجار غزاة من عالمنا | 06/05/2014
في نهاية شهر آذار (مارس) 2014 صدر تقرير التقييم الخامس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغّير المناخ. ومن بين المواضيع التي تناولها تأثير تغيّر المناخ على صحة الإنسان، حيث أكّد على مجموعة الأدلة المتصلة بالمخاطر الصحية الواردة في التقرير السابق الصادر عام 2007، معتبراً أن الآثار الصحية السلبية تفوق الآثار الإيجابية.
 
أشار التقرير إلى أن تغيّر المناخ سوف يُفاقم المشاكل الصحية القائمة ويزيد المخاطر على السكان، لا سيما في البلدان الأكثر تضرراً بالأمراض المرتبطة بالمناخ. وسيشمل ذلك سوء التغذية بسبب انخفاض إنتاج الغذاء، والمخاطر المباشرة كالإصابات والأمراض الناجمة عن موجات الحر والفيضانات، والانزياحات الناتجة عن التوزّع المكاني وتوقيت انتشار الأمراض المعدية.
 
من غرائب الطبيعة أن الحياة على وجه الأرض ترتبط بشكل أو بآخر بالعلاقة المتبادلة بين الأحياء الدقيقة والمناخ. فكما يؤثّر المناخ على تطوّر الأحياء الدقيقة وانتشارها، فإن الأحياء الدقيقة تؤثّر بدورها على المناخ وقد تغيّره أيضاً.
 
المناخ يؤثّر على الأحياء الدقيقة
لطالما كان المناخ هو العامل الأساسي في تطوّر الطفرات الوراثية وانتشار الجائحات المرضية، حيث لوحظ أن الأوبئة تنتشر في المناخات الرطبة التي تعقب فترات الجفاف الطويلة. وقد جرى تعليل ذلك بأن الكائنات الناقلة للمرض، الجرذان والخفافيش وغيرها، تنحسر موائلها خلال فترات الجفاف مما يؤدي إلى تكاثرها بشكل مركّز في أماكن محدودة وضيّقة. وهذا يعزّز فرص نقلها للعوامل الممرضة ويزيد احتمالات حصول الطفرات. وهكذا تتحوّل هذه التجمعات الحيّة إلى قنابل موقوتة تنفجر مع تحسّن أوضاع المناخ، وتنتشر في كل مكان، ناقلة المرض إلى الإنسان الذي أنهكه الجوع وأضعفه سوء التغذية الناتجان عن الجفاف.
 
لقد تسببت الأوبئة، وبشكل خاص الجدري والحصبة والتيفوئيد والإنفلونزا والدفتريا (الخنّاق)، في وفاة أعداد كبيرة من سكّان أميركا الأصليين نتيجة العدوى وضعف المناعة تجاه هذه الأمراض الجديدة التي نقلها الأوروبيون خلال استعمارهم للعالم الجديد. ومن نهاية القرن الخامس عشر حتى نهاية القرن السابع عشر تسببت الأوبئة في وفاة 90 في المئة من سكّان أميركا الأصليين.
 
إلّا أن مراجعة تاريخية قام بها فريق بحثي برئاسة أستاذ علم الأوبئة الدكتور أكونا سوتو تم نشر نتائجها عام 2002 قدّمت الأدلّة على أن الأوبئة التي نقلها المستعمرون معهم إلى المكسيك لم تكن هي العامل المصيري في وفاة معظم السكّان الأصليين. فقد أظهرت الوثائق التاريخية التي تشرح أعراض المرض الذي أصاب السكّان الأصليين في جائحتي عامي 1545 و1576 أنها لا تشبه أعراض مرض الجدري الذي تسبب في مقتل نحو ثلث السكان الأصليين عام 1520، ولا تتشابه مع أعراض أيّ مرض أوروبي أو أفريقي كان حاضراً حينذاك في المكسيك، وأن كل الأعراض تشير إلى جائحة جديدة اسماها السكّان الأصليون Cocoliztli وهي تطابق في أعراضها مجموعة أمراض الحمى النزفية الفيروسية VHS (فيروس الإيبولا ينتمي إلى هذه المجموعة).
 
بيّنت المراجعة أيضاً أن جغرافية انتشار المرض تشير إلى ارتباطه بكائن ناقل، كالجرذان، وأن انتشار المرض في الأراضي المرتفعة فقط وعدم تواجده في الأراضي الدافئة والمنخفضة ضمن السهول الساحلية لخليج المكسيك لا ينسجم مع انتشار فيروسات العالم القديم التي انتقلت مع المستعمر إلى جميع مناطق المكسيك.
 
إن ارتباط انتشار الجائحات بالأحوال المناخية جعل الدكتور سوتو يفترض وجود جفاف كبير أصاب المكسيك خلال القرن السادس عشر تخللته فترات خصبة. وقد جاءت نتائج دراسة حلقات النمو في جذوع الأشجار لتؤكد فرضيته، حيث ظهر أن أقسى وأطول جفاف شهدته المكسيك في القرون الستة الماضية كان خلال القرن السادس عشر، وأن الجائحتين الرئيستين عامي 1545 و1576 والجائحات الثانوية الأخرى تزامنت مع فترات رطبة تخلّلت هذا الجفاف.
 
لقد تسبّبت جائحة الحمى النزفية عام 1545 بوفاة 80 في المئة من تعداد السكّان الأصليين الذين نجوا من جائحة الجدري عام 1520. وقضت جائحة الحمى النزفية عام 1576 على نصف من تبقى بعد جائحة 1545. وهكذا أودت الأوبئة الثلاثة بحياة نحو 95 في المئة من سكّان المكسيك الأصليين خلال القرن السادس عشر. وكان للسياسات الاستعمارية، بما فيها الحروب والاستعباد واستنزاف قدرات السكّان الأصليين في الأعمال الزراعية المجهدة، الدور الحاسم في جعلهم عرضةً لهذه الجائحات من دون رعاية صحية فاعلة.
 
خلصت مراجعة فريق الدكتور سوتو إلى أن "الأحياء الدقيقة التي تسبّبت بالحمى النزفية خلال القرن السادس عشر في المكسيك ربما لا تزال مختبئة في الأراضي المرتفعة، تنتظر ظروفاً مناخية مؤاتية لتظهر من جديد".
 
الأحياء الدقيقة تؤثر على المناخ
في ورقة بحثية تم نشرها في منتصف شهر نيسان (أبريل) 2014 في مجلة "وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم PNAS" الأميركية، تمّ طرح نظرية جديدة مدعّمة بالأدلة تفترض أن أحد أنواع الميكروبات هو السبب المباشر لانقراض 96 في المئة من الكائنات الحية في نهاية العصر البرمي قبل 252 مليون سنة.
 
كان الافتراض السائد أن حدث "الموت العظيم"، الذي يُعتبر أسوأ موجة انقراض من بين خمس موجات انقراض شهدتها الأرض، ناتج عن النشاط الضخم للبراكين السيبيرية في نهاية ذلك العصر. إلا أن الورقة البحثية الجديدة ربطت بين ميكروب يُسمى الميثانية الرزمية Methanosarcina وتغّير المناخ الذي تسبب بالانقراض.
 
وفقاً للفرضية الجديدة، تجمّعت كميات هائلة من المواد العضوية في الرواسب المحيطية. وقد كانت المحيطات موطناً للميثانية الرزمية التي كانت تستهلك المركبات الكربونية وتطلق الميثان. إلا أنها لم تكن قادرة على تفكيك المركبات الهيدروكربونية (الأسيتات) للمواد العضوية في الرواسب المحيطية، وبالتالي لم تكن قادرة على هضمها.
 
استناداً إلى مقارنة التركيب الجيني لخمسين نوعاً من الأحياء الدقيقة، وجد الفريق الباحث بقيادة الجيولوجي دانييل روثمان أن الميثانية الرزمية اكتسبت مورثتين قادرتين على تفكيك المركبات الهيدروكربونية قبل 250 مليون سنة، أي بحلول فترة الانقراض الجماعي.
 
أدّى تطور الميثانية الرزمية وقدرتها على تفكيك وهضم المواد العضوية المعقّدة في الرواسب المحيطية إلى ازدهار هذا الميكروب وتحرر غاز الميثان أضعافاً مضاعفة بطريقة لا يمكن نسبها إلى البراكين أو أي سبب محتمل آخر. ومع ذلك كان للبراكين دور مسرّع في عمل الميثانية الرزمية وانتشارها، باعتبار أن النيكل الناتج عن البراكين هو مكون أساسي في الأنزيمات التي تدخل في تفاعل إنتاج الميثان.
 
ولئن يكن الميثان مسؤولاً عن "الموت العظيم"، إلا أنه لا يمكن تحديد الآلية الرئيسية التي تسبّبت بمقتل معظم الكائنات الحية على وجه الأرض. قد يكون تحرير الميثان لكبريتيد الهيدروجين السام سبباً مباشراً لمقتل الكائنات على سطح الأرض. أما في المحيطات، فإن معاناة الكائنات البحرية قد تكون ناتجة عن نضوب الأوكسجين وارتفاع معدل الحموضة الذي حدّ من قدرة المخلوقات على تشكيل القواقع، ومن ناحية أخرى فإن هذه الحموضة في المحيطات قد تكون حافزاً لظهور السلوك الانتحاري للأسماك باندفاعها إلى مفترسيها، وذلك بالانسجام مع ما أظهرته دراسة حقلية تم نشر نتائجها مؤخراً في مجلة "نيتشر" في شهر نيسان (أبريل) 2014.
 
خلص دانييل روثمان إلى أنه يجب علينا عدم استبعاد قدرة صنف من الميكروبات على إحداث هذا التغيير الهائل على الأرض، إذ "أن هذا التغيير قد يحصل مرّة أخرى، وهو حصل على الأرجح مرّات عديدة في الماضي".
 
حرب العوالم
في روايته الشهيرة "حرب العوالم" يرسم كاتب الخيال العلمي ه. ج. ويلز نهاية دراماتيكية لغزو المريخيين كوكب الأرض. إذ بينما تبدو الآفاق قد انغلقت في وجه مقاومة سكان الأرض للغزاة المتفوقين القادمين من كوكب آخر، نجد أن قوّة الغزاة قد انهارت بفعل الأحياء الدقيقة والعوامل الممرضة التي طوّر الإنسان مع الزمن مناعةً تجاهها. وهكذا ينتهي الكاتب إلى القول بأن "حق الإنسان في الحياة وسط مختلف أنواع الكائنات على الأرض هو حق مكتسب على رغم كل التحديّات، لأن الإنسان لا يحيا ولا يموت عبثاً".
لقد قضت الأحياء الدقيقة في القرن السادس عشر على 95 في المئة من سكان المكسيك الأصليين، ومع ذلك استمر 5 في المئة منهم بالحياة. كذلك قضت الأحياء الدقيقة قبل 252 مليون سنة على 96 في المئة من الكائنات الحية على كوكب الأرض، ومع ذلك فإن 4 في المئة منها استمرت بالحياة. ربما يكون الأمر مجرد مصادفة، وربما لأن كوكب الأرض لا يحيا ولا يموت عبثاً، وربما لأن الظروف المناخية لم تكن مؤاتية تماماً.
 
 
المراجع
- منظمة الصحة العالمية: تغير المناخ 2014
http://www.who.int/globalchange/environment/climatechange-2014-report/en
- تغير المناخ 2014: التأثيرات والتكيف وقابلية التأثر
http://mitigation2014.org/report/final-draft/background
- ويكيبيديا: سكّان أميركا الأصليون
https://en.wikipedia.org/wiki/Indigenous_peoples_of_the_Americas
- ويكيبيديا: تاريخ التعداد السكّاني لسكّان أميركا الأصليين
https://en.wikipedia.org/wiki/Population_history_of_American_indigenous_peoples
- الجفاف العظيم والموت العظيم في المكسيك في القرن السادس عشر
http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC2730237
- مجلة نيتشر: قيامة الرزمية
http://www.nature.com/news/archaeageddon-how-gas-belching-microbes-could-have-caused-mass-extinction-1.14958
- وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم: الانفجار الميثاني في دورة الكربون في نهاية العصر البرمي
http://www.pnas.org/content/111/15/5462
- مجلة نيتشر: التراجع السلوكي لأسماك الشعب المرجانية نتيجة ارتفاع حموضة المحيطات
http://www.nature.com/nclimate/journal/vaop/ncurrent/full/nclimate2195.html
- ويكيبيديا: حرب العوالم
https://en.wikipedia.org/wiki/The_War_of_the_Worlds
 
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.