بلغ عدد القوى العاملة في المنطقة العربية حوالي 134 مليوناً، أي نحو %31.4 من عدد السكان البالغ نحو 427 مليون نسمة في عام 2019. وقُدرت نسبة البطالة تقريباً %16 من إجمالي القوى العاملة، أي ما يقارب 21 مليون عاطل عن العمل.
وتتلازم نسبة البطالة المرتفعة مع واقع ارتفاع معدل نمو السكان بحوالي %2 خلال العقد الماضي، ونسبة فقر قُدرت بـ%40 من سكان البلاد العربية الذين يعيشون على أقل من 2.75 دولار في اليوم، ونسبة من الأمية بلغت بحدود %25 من إجمالي سكان المنطقة.
وتشكل نسبة البطالة المرتفعة في المنطقة العربية تحدياً صارماً ينطوي على أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية، حيث تعتبر الأعلى في العالم، إذ قُدرت على الصعيد العالمي بنحو %5.4، وبحوالي %6.7 في الدول المتقدمة، كما أن نسبة البطالة في القوى العاملة من الشباب والشابات بحوالي %27 في المنطقة العربية، هي أيضاً الأعلى بالمقارنة مع المناطق الأخرى في العالم، إذ بلغت %20 في جنوب آسيا، و%18 و%17 و%12 في أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي، والاتحاد الأوروبي، وأفريقيا جنوب الصحراء، على التوالي.
عواقب وخيمة
تفاقمت نسبة البطالة المرتفعة التي سلف ذكرها في أعقاب تفشي جائحة كورونا. ولكن بافتراض أن الأوضاع ستعود إلى سابق عهدها واستمرار البطالة في حدود %16 من القوى العاملة، ولم تتخذ الإجراءات اللازمة لضبط مستواها. فمن المتوقع في ظل نمو السكان بنسبة %2 سنوياً أن يرتفع عدد العاطلين عن العمل في المنطقة العربية من حوالي 21 مليونا، في عام 2019 إلى نحو 32 مليونا في 2040، أي خلال العقدين القادمين. ومثل هذا المستوى من البطالة ينذر بعواقب اقتصادية واجتماعية وخيمة، وعدم استقرار سياسي يفقد الأمل في تحقيق التنمية المستدامة.
وهذا الواقع الذي تشهده المنطقة العربية ليس مستعصياً على الحل، إذا ما توفرت الإرادة السياسية لإقامة تعاون وثيق، لا بل تعزيز التكامل الاقتصادي في ظل ما تتميز به المنطقة العربية من خصائص تشمل موارد طبيعية متعددة، وسوقاً واسعة، فضلاً عن لغة وثقافة وتاريخ تشترك فيها كل شعوب المنطقة. وهنالك الترابط الجغرافي الذي لا يقل أهمية عن الموارد الطبيعية، ويعتبر عاملاً هاماً في تعزيز التجارة البينية والاستثمارات العربية.
ولكي تثمر الجهود في محاصرة تفشي البطالة يتطلب الأمر إصلاح مناهج التعليم ومكوناتها والتشاور بشأنها مع القطاع الخاص والمؤسسات المعنية، لتكون مخرجات التعليم، بما في ذلك التقني والمهني، أكثر انسجاماً مع متطلبات سوق العمل، في ظل استقرار اقتصادي وسياسي.
7 عوامل
يرجع ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل من إجمالي القوى العاملة، أو من إجمالي القوى العاملة الشابة في المنطقة العربية إلى عدة عوامل، من بينها ما يلي:
1 - ارتفاع معدل نمو السكان بحوالي %2 سنوياً خلال العقد الأخير، بالمقارنة مع معدل نمو لسكان العالم الذي لا يتجاوز %1.1 سنوياً.
2 - ارتفاع معدلات نمو القوى العاملة الذي يعزى إلى نسبة عالية من صغار السن في التركيبة السكانية، الأمر الذي يتيح لمزيد من القوى العاملة الولوج إلى أسواق العمل سنوياً، فضلاً عن ضآلة مشاركة المرأة في الأنشطة الاقتصادية المختلفة.
3 - عدم التوافق بين التخصصات والمهارات المطلوبة في أسواق العمل والمعروض من القوى العاملة، ما يزيد من تفاقم البطالة بين صفوف المتعلمين.
4 - بطء النمو الاقتصادي الحقيقي وتدني الاستثمارات الجديدة، وبالتالي ضعف القدرة على توليد فرص عمل جديدة.
5 - عدم توفير التمويل اللازم للاستثمارات، خصوصاً في ظل تدني معدلات الادخار أو عدمه في عدد من البلدان العربية.
6 - ضعف مستوى التعليم ونوعيته، وعدم الاهتمام الكافي بالدراسات التطبيقية والتدريب التقني والمهني، ما يشيع ظاهرة العمالة غير الماهرة وشبه الماهرة.
7 - عدم الاستقرار السياسي الذي يزعزع المناخ المناسب للاستثمارات الأجنبية والمحلية والثقة بالاستدامة وخلق فرص عمل جديدة.
د. عبدالكريم صادق، مستشار اقتصادي في الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، المدير التنفيذي لدولة الكويت لدى الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، مستشار لمدير تنفيذي في البنك الدولي سابقاً، عضو مجلس أمناء المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد).