في منتصف سنة 2018، أجرت جامعة ييل الأميركية استطلاعاً للرأي حول تغير المناخ شمل أكثر من 22 ألف شخص من جميع الولايات المتحدة. وكان من نتائج هذا الاستطلاع أن 70 في المئة من الأميركيين يعتقدون بصحة حصول الاحترار العالمي في مقابل 14 في المئة فقط ينكرون ذلك. ولا تعدّ نسبة منكري التغير المناخي ذات شأن إذا ما قارنّاها بنسبة الأميركيين الذين ينكرون دوران الأرض حول الشمس إذ تصل نسبتهم إلى 25 في المئة.
لكن هذه القناعة الشعبية بتغير المناخ لا تعكس رغبةً حقيقيةً في اتخاذ تدابير فعلية لمواجهة هذه المشكلة. وقد بدا ذلك جلياً في التصويت العام الذي أجرته ولاية واشنطن في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي حول فرض ضريبة كربون على انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وكانت نتيجته الرفض. وكذلك فعل المصوتون في ولاية كولورادو، في الشهر ذاته، عندما رفضوا وضع قيود على التنقيب عن النفط والغاز.
التباين بين القناعات والرغبات في التصدي لمشاكل البيئة ليس حكراً على الأميركيين، وإنما نورد النموذج الأميركي لأنه يقترن بالأرقام والنسب التي تعكس الوقائع بشكل لا يقبل الجدل. وإذا أردنا النظر إلى الشارع، فإن حركة "السترات الصفراء" في فرنسا، التي ترفض زيادة الضريبة المضافة على مشتقات الوقود الأحفوري، هي نموذج آخر عن هذا التباين الذي يعني في المحصلة تهرب الفرنسيين من دفع ضريبة الكربون وتحمل عبء المخاطر البيئية.
في أي مكان في العالم، ستجد من يحدثك عن ضرورة الحد من التلوث ومواجهة تغير المناخ ووقف قطع الأشجار والحفاظ على التنوع الحيوي، طالما بقي الأمر بعيداً عن جيبه وماله الخاص. قلّة هي التي تقبل بخفض الدعم الحكومي لقطاع الطاقة القائم على الوقود الأحفوري فيما الجميع على قناعة بأهمية الحفاظ على البيئة. ولن تجد أحداً من الصناعيين يقبل بإغلاق معمله الملوِّث للهواء والماء والتربة حتى لو عانى على المستوى الشخصي من هذا التلوث.
ممارسات الأفراد وقناعاتهم تنعكس أيضاً على أداء الحكومات التي تعد صورة مصغرة عن المجتمع في كل بلد. ولعل تقرير "الدور البيئي للقانون"، الذي صدر قبل أيام عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، جاء ليعرض عمق الهوة بين القناعات والرغبات في معالجة المشاكل البيئية على المستوى الحكومي.
التقرير الأممي، الأول من نوعه عالمياً، تضمن تقييماً للقوانين الوطنية والسياسات في جميع البلدان، وجاء كاشفاً عن غياب الإرادة السياسية، وفقر تمويل الهيئات المختصة، والأنظمة القضائية غير العادلة، بالإضافة إلى سوء التطبيق. وذلك على الرغم من "الطفرة الهائلة" في سنّ القوانين البيئية بعد قمة الأرض 1992 وإدراج أحكام حماية البيئة في الدساتير وإنشاء وزارات للبيئة.
الحكومات، كما الأفراد، على قناعة بأهمية الحفاظ على صحة وسلامة البيئة، وهي تلحظ ذلك في بياناتها الحكومية وخططها المعلنة، بل وتسعى إلى تغريم وتجريم كل من يقوم بتلويث البيئة. لكن الوقائع تقول إن الفعاليات الحكومية هي المصدر الأكبر للتلوث، فهل سمعتم عن سلطة رسمية قامت بإغلاق معمل حكومي ملوِّث أو سعت في تطبيق القوانين البيئية عليه؟
لقد خطا العالم خطوةً واسعةً عندما أصبح هم الحفاظ على الكوكب شأناً عاماً يتبناه الكثيرون بعد أن كان مقتصراً على عدد محدود من الحالمين. ومن دون شك، فإن الخطوة الحقيقية لحماية بيئتنا هي بتحول هذا الهم والاهتمام إلى إجراءات فاعلة ومبادرات مؤثرة على مستوى الأفراد والحكومات.
|