كانت النار أول مصدر عرفه الإنسان للحصول على طاقة حرارية تدفئه من برد وتطهو طعامه سداً لجوع. وأغلب الظن أنه حصل على أول شرارة من حك حجرين أحدهما على الآخر، فما إن أطعمها أعشاباً جافة حتى صارت ناراً ذات لهب. والأعشاب الجافة ليست سوى ما نطلق عليه اليوم اصطلاحاً "الكتلة الحيوية".
يقصد بالكتلة الحيوية النفايات (المخلفات) عامة، التي تضم النفايات النباتية من أوراق ولحاء وجذور، والمخلفات الحيوانية التي تخمّر لإنتاج غاز الميثان، وفضلات الأكل. وتساهم محاصيل قصب السكر والذرة والزيوت النباتية في إنتاج الوقود الحيوي السائل الذي يوفر نحو 4 في المئة من وقود وسائل النقل. أيضاً تفصل مخلفات المنازل لتدويرها بحسب النوع: ورق، زجاج، قماش، أطعمة. بمعنى آخر، يعبّر مصطلح "الكتلة الأحيائية" عن القمامة التي نود التخلص منها، فإذا بها تتحول إلى مصدر للطاقة له ثمن، وليعمل الجميع تحت شعار "نشتري المخلفات ونبيع الطاقة".
مع حرمان نحو 2,4 بليون نسمة من الكهرباء، أصبح الحطب والفحم والنفايات المصدر الرئيسي للتدفئة والطهي عبر عمليات حرق غير آمنة وملوثة للبيئة . على النقيض، تستخدم نظم مركزية حديثة لتدفئة نحو 70 في المئة من الأحياء والمدن الأوروبية تعمل بحرق المخلفات. وتساعد الكتلة الأحيائية في إنتاج الكهرباء إما منفردة من دون مصدر إضافي أو بخلطها بمصدر آخر، كالفحم. ويطلق على هذه الآلية تعبير "الحرق المزدوج" مما يقلل من انبعاث أكاسيد الكبريت والنيتروجين عند خلطها بالفحم. وتقدر الطاقة الكامنة في طن قمامة بثلث نظيرتها من طن فحم، وهو ما يجعل القمامة مصدراً للطاقة لا يجوز إغفاله.
بزيادة الطلب على الكهرباء في الكثير من الدول، ارتفعت نسبة المحطات العاملة بالمخلفات، خاصة مع ارتفاع أسعار النفط والحاجة إلى استيراد الغاز والفحم. في الصين، وصل الإجمالي إلى 3200 ميغاواط، مع اعتماد خطة لزيادتها إلى 30 ألف ميغاواط بحلول سنة 2020. وفي الهند، تغذي المخلفات والنفايات الزراعية محطات كهرباء بقدرة 835 ميغاواط، وتستخدم "مصاصة" القصب في تشغيل نحو 1500 ميغاواط أخرى بالحرق المزدوج، منها محطات معزولة عن الشبكة الكهربائية تغذي مناطق نائية. أما البرازيل فلديها نحو 5000 ميغاواط من محطات الحرق المزدوج، معظمها متصل بالشبكة.
تدمج الكتلة الأحيائية في منظومة الطاقة في بعض الدول تحت مفهوم "الدورة المغلقة"، بمعنى زراعة نباتات لاستخدامها في إنتاج الطاقة، منها الصفصاف والحور والجوجوبا، حيث تدخل النباتات في عمليات متتالية تشمل الزراعة فالحصاد فالنقل ثم تحويلها إلى طاقة. يتراوح معدل النفايات في العالم العربي من 0,5 إلى 2,7 كيلوغرام للفرد يومياً، تختلف من دولة إلى أخرى بحسب عدد السكان ومعدلات النمو والتطور. فكلما ارتفع مستوى التحضر زادت نسبة النفايات. وتشير الإحصاءات إلى أنه من ضمن 60 مشروع طاقة متجددة يجري العمل على تنفيذها أو التخطيط لها في الدول العربية بقدرات إجمالية تقترب من 6 جيغاواط، تشارك مشاريع الكتلة الأحيائية وتحويل النفايات إلى طاقة بنحو 6 في المئة فقط، ينتظر تنفيذها في البحرين والإمارات والمغرب ، مدفوعة بالتخلص الآمن من النفايات وخفض انبعاثات المحطات الحرارية بتشغيلها بنظام الحرق المزدوج.
من هنا تبرز أهمية إدارة النفايات في الاستفادة منها، بمعنى جمعها وفرزها ونقلها إلى المحطات لحرقها. يأتي هذا في الوقت الذي تنتشر فيه مكبات النفايات المكشوفة في الدول العربية لتعرض البيئة إلى آثار سلبية على الكائنات الحية بأنواعها. تجهز المطامر الحديثة بأنظمة مراقبة رشح السوائل وتكوّن الغازات، أخذاً في الاعتبار أن تحويل النفايات إلى طاقة يقلل من إنشاء المطامر.
إن إعادة تدوير النفايات يقلل من الطاقة المستهلكة لتصنيع المنتج ذاته. فعلى سبيل المثال، يخفض إعادة تدوير عبوات المياه الغازية البلاستيكية والمعدنية نسبة الطاقة المطلوبة لإنتاج عبوات جديدة بمقدار 25 في المئة. وكانت شركة Nike للملابس الرياضية أعادت استخدام العبوات البلاستيكية في إنتاج خيوط البوليستر لإنتاج قمصان تسعة منتخبات تعاقدت معها الشركة لتصنيع أطقم ملابس لاعبيها الذين شاركوا في بطولة كأس العالم عام 2010 في جنوب أفريقيا، مما خفض نحو 30 في المئة من الطاقة اللازمة لإنتاج تلك الملابس. وقد بلغ إجمالي ما استهلكته الشركة من زجاجات بلاستيكية نحو 13 مليون زجاجة، صنع منها قرابة مليون ونصف مليون قميص تم بيعها للجمهور. ولم أجرؤ على شراء واحد منها من المحلات المنتشرة لبيع الملابس الرياضية في جوهانسبرغ قبل انطلاق البطولة بأسابيع قليلة، فقد تخطى ثمن الواحدة المئة دولار.
أخيراً، إذا كان نمط الحياة المعاصرة يدفعنا نحو أنماط معيشة مختلفة، تغلب عليها علب الوجبات السريعة والمشروبات والعصائر المعبأة في العلب الكرتونية والمعدنية، وتكثر مخلفاتها الصلبة والسائلة، فإن وعينا بالبيئة يحتم علينا النظر في آليات إعادة تدوير المخلفات والاستفادة منها وتحويلها إلى منتجات متعددة جنباً إلى جنب مع إنتاج الطاقة.
محمد مصطفى الخياط، مدير إدارة الشؤون الفنية في هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة في مصر
[1]WHO (May 2012), “Health Indicators of Sustainable Energy”, in the Context of Rio+20 UN Conference on Sustainable Development.
[2]تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية (2011)، "البيئة العربية -4، الاقتصاد الأخضر في عالم عربي متغير".
[3]تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية (2013)، "البيئة العربية -6، الطاقة المستدامة، التوقعات، التحديات، الخيارات".