تواجه المحاصيل الغذائية المعدلة وراثياً بمعارضة أوروبية صلدة. وحتى في الولايات المتحدة، أكبر أنصار التكنولوجيا الحيوية، تأثر الناس بالجدل الدائر حول الآثار الصحية والبيئية المترتبة على انتشار زراعات المحاصيل المنتجة للأغذية المعدَّلة وراثياً، وأصابهم التشوش، وصاروا يهتمون بمراجعة مكونات غذائهم المنتجة بهذه التكنولوجيا. كما تزايد اتجاه المستهلكين في الغرب نحو الأغذية العضوية، التي تجيء من محاصيل زراعية لم تستخدم فيها مواد كيميائية ولا أي معالجة من معالجات التكنولوجيا الحيوية.
ويتعرض الفيلم الوثائقي الأميركي "مستقبل الطعام" لهذه القضية، فيهاجم تطبيقات التكنولوجيا الحيوية في مجال الزراعة، ويحاول الإجابة على بعض تساؤلات المستهلكين الذين ازداد وعيهم بالأغذية المعدَّلة وراثياً، وهي تساؤلات متصلة بالجانب الأخلاقي للقضية قبل كل شيء:
– ما دامت المادة التي تعالجها هذه التكنولوجيا، وهي الجينات، موجودة بطبيعتها في الكائنات الحية، ولا يبذل أحدٌ أيَّ جهد في إنتاجها، فهل من حق شركات التكنولوجيا الحيوية أن تفرض قيوداً على المنتجات التي كانت هذه المادة أساس تصنيعها؟
– ما هو التأثير البعيد المدى المحتمل حدوثه لمستهلكي الأغذية المعدلة وراثياً؟
– هل بإمكاننا السيطرة على النباتات البرية وحمايتها من الاختلاط بالنباتات التي أدخلت عليها تعديلات في صفاتها الوراثية؟
– هل يمثل الطعام المعدَّل وراثياً، حقاً، الحل لمشاكل الجوع في العالم؟
– لقد تراجع التنوع الأحيائي بعد التوسع في زراعات المحاصيل المعدلة وراثياً، فهل ثمة احتمال أن يستمر هذا التراجع إلى درجة أن يفضي إلى كارثة بيئية؟
وكانت إجابات الفيلم عن هذه التساؤلات الخمسة بالترتيب هي: لا، يحتمل أن يكون مدمراً، ربما يفلت الزمام، ربما ، يحتمل.
وتُعدُّ المخرجة وكاتبة الفيلم ديبرا غارسيا من أبرز نشطاء الحركة المضادة للتكنولوجيا الحيوية في ولاية كاليفورنيا. وقد حشدت في فيلمها عدداً من المناهضين لهذه التكنولوجيا داخل الولايات المتحدة، وعرضت لقصص تنتقد تطبيقاتها الزراعية. ويركز الفيلم هجومه على واحدة من أكبر شركات التكنولوجيا الحيوية العاملة في مجال الزراعة، هي "مونسانتو"، وينتقد بشدة موقفها من مزارع كندي ادعت عليه أمام القضاء بأنه استخدم بعض إنتاجها من المُدخلات الزراعية دون إذن منها. كما يهاجم الفيلم السياسات الاحتكارية للشركة، التي تنتج ما تطلق عليه اسم "البذور الانتحارية"، التي تقتل نفسها بعد أن تنبت مرة واحدة، أو بمعنى آخر، تنتج نباتاً عقيماً لا يعطي بذوراً تصلح للزراعة، لتضمن استمرار اعتماد المزارعين على منتجات الشركة إلى الأبد.
ويعري الفيلم علاقات مشبوهة بين "مونسانتو" وبعض أعضاء الحكومة الأميركية، إذ استغلت الشركة هذه العلاقة في التأثير على قرارات الإدارات الحكومية المتصلة بمجال نشاطها، مثل هيئة الرقابة على الغذاء والدواء، وهيئة حماية البيئة، ووزارة الزراعة.
وتحدّت مخرجة الفيلم الشركة للظهور معها في مواجهة على الهواء بخصوص ما جاء في الفيلم من اتهامات لكن الشركة رفضت التحدي.
|