شاركتُ في تشرين الثاني (نوفمبر) 2002، بتزكية من مجلة "البيئة والتنمية"، في حلقة تدارس حول استدامة المدن في أفريقيا، نظمها للكتّاب والصحافيين البيئيين في منطقة شرق أفريقيا مكتب UN-HABITAT، في مقره بالعاصمة الكينية نيروبي. ودُعيتُ في إحدى أمسيات ذلك الملتقى الأفريقي إلى جلسة "تلاقح أفكار" أو "عصف عقول" (Brain Storming) عٌقِدتْ في قاعة في الفندق مقر إقامتنا.
بدأت الجلسة بحديث من منسقها، وكان صحافياً إثيوبياً لم يخل من خفة ظل. قال إنه، على غير المعهود، سيبدأ بالحديث مستغلاً سلطاته، فقد طاله تأثير النظم الديكتاتورية في بعض البلاد الأفريقية، فلماذا لا يستغل سلطته؟ والحقيقة أن حديثه كان طيباً، وقد بدأه بسؤال: هل أفريقيا مهيأة لاستقبال القرن 21 والحياة فيه؟ وأجاب: نعم. إنها جديرة بالحياة في القرن 21، شريطة أن تنجح في التغلب على ما يمكن تسميته بفخاخ التنمية، التي ظلت أمداً طويلاً تشدها إلى الخلف، في حلقة مفرغة من التخلف والصراع ومعاناة بشرية على مدى قرن كامل هو القرن العشرون. أما القرن 21 فإنه يوفر لأفريقيا فرصاً جديدة فريدة من نوعها، تتوقف على ثلاثة عوامل مهمة: أولها العمل على زيادة مستوى المشاركة السياسية وترسيخ مبدأ المساءلة. والثاني، أن الفرصة متاحة أمام أفريقيا، وقد انتهت الحرب الباردة، لتتحول من مجرد ساحة لمعارك الآخرين الاستراتيجية والأيديولوجية إلى وجهة جديدة يقصدها رجال الأعمال والتجارة والتنمية. أما العامل الثالث، فهو ما تقدمه العولمة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات من فرص هائلة لأفريقيا، إن اغتنمتها تخطت مراحل التنمية.
وتتابع المتحدثون من مختلف دول شرق القارة الأفريقية. ثم حان دوري، ففضلت أن أنقل الحوار إلى اتجاه جديد، فألفت النظر إلى غياب التواصل الثقافي بين البلدان الأفريقية. فالشأن الثقافي غائب في العلاقات بين معظم الدول الأفريقية، مع ما للثقافة من دور مهم جداً في دعم الترابط بين الشعوب. وأشرت إلى زمن الستينات، حيث كانت تصدر في مصر مجلة تعنى بثقافة وآداب أفريقيا، وكانت حركة الترجمة، المتمثلة في مشروع طموح هو "الألف كتاب"، تهتم بنقل نماذج من الأدب وألوان الثقافة الأفريقية إلى قراء العربية.
قلت إنني قرأت، في سنوات الشباب، رواية "الأشياء تتداعى" للكاتب النيجيري الشهير "تشينوا أتشابي"، في جلسة قراءة واحدة امتدت لساعات متصلة، وما زلت منبهراً بها حتى الآن. وأتذكر قرية "أوموفيا" وزعيمها التقليدي "أوكونكو"، وسقوطه الذي ارتبط بظهور الرجل الأبيض على الأرض الأفريقية. وتساءلت: كم منكم يعرف أديبنا المصري الكبير نجيب محفوظ، الحائز على جائزة نوبل في الأدب، وغيره من الأدباء العرب الكبار؟ وأنا وإن كنت تمكنت من معرفة بعض الكتاب الأفارقة، فما زلت أجهل الكثيرين، وبخاصة في الأجيال الجديدة. فلعلنا نهتم بحركة الترجمة من وإلى جميع اللغات المنطوقة والمكتوبة في أفريقيا، مستغلين التطور الهائل الحاصل في مجالات النشر الإلكتروني والاتصال.
|