مررتُ بخيبات أمل كثيرة تمكنت والحمد لله من اجتيازها، إلا حالة واحدة، حين فكرتُ في تكوين جمعية أهلية، وكان اسمها "بحرٌ نظيفٌ – تجمُّع خبراء البيئة البحرية". وقد تم تأسيسُ الجمعية فعلاً وإشهارها لدى الجهة الإدارية المسؤولة، غير أن الافتقار للموارد المالية، وعدم توفر مقر للجمعية، حالا دون استمرار وجودها. وما زلتُ أحتفظُ ببيان تأسيسها، الذي صغتُه بنفسي، وجاء فيه:
ليس البحر مجرد خط يجري - كما نراه في الخرائط - ليحدد ملامح اليابسة. وليست علاقة اليابسة بالبحر محصورة فقط في أن يرتاده سكانها طلباً لاحتياجات أساسية أو للترويح. إنها علاقة "حوار حياة"، يتبادل فيها كل منهما التأثير في الآخر. فلليابسة قواها، وللبحر قواه، ومن مصلحة الطرفين، ولصالح البشر، أن تظل هذه القوي في حالة اتزان، وإلا طغت اليابسة وسكانها على البحر وجارت، أو ثار البحر وانقلب مدمراً.
علينا إذاً المحافظة على أن يبقى ذلك الحوار هادئاً، من أجل الحياة. ذلك هو الهدف النهائي والهم الرئيسي لخطط وبرامج ومشاريع الهيئات المحلية والإقليمية والعالمية - حكومية وأهلية - العاملة في مجالات البيئة البحرية والمناطق الساحلية. وهي مجالات يجدها العلماء تتفرع يوماً بعد يوم، لتغطي ملامح تلك العلاقة أو ذلك الحوار بين الأرض والبحر، وتسعى لإيجاد حلول ضرورية لمشاكل مزمنة أو طارئة، تمسُّ أمن البشر وسبل حياتهم ، أو صحة البحار والمحيطات وقدرتها على التجدد والاستشفاء.
وتأمل "بحر نظيف" أن تساهم، ضمن منظومة الجهود الأهلية والرسمية، في إدارة هذا الحوار بين البحر والأرض، والاحتفاظ به هادئاً آمنا.
فلماذا "بحر نظيف"؟
إنها تجسيد لأمل.
نعم، صارت نظافة البحار أملاً مرجواً! وتتعاظم الحاجة للتشبث بهذا الأمل لدينا نحن سكان سواحل حوض البحر المتوسط. فالبحر الذي عاشت في رحابه مجتمعاتنا منذ وعت التاريخ أصبح يوصف الآن بأنه "بحر يموت". ومن حسن الحظ أن ثمة ظواهر منعشة للأمل متمثلة في جهود علمية تأتي من جهات متعددة ، لتعمل في "تنظيف" المتوسط وإبعاد شبح الموت عن مياهه.
ولكن هذه الجهود العلمية قد لا تستطيع بمفردها تحقيق برامج إصحاح مياه البحر المتوسط وسواحله. فهي بحاجة إلى دعم أهلي يساعدها في تحسس مواقع السقم والإيلام، ويعينها على تنفيذ برامجها العلاجية لتحقيق الدرجة الكافية من النجاح. فما أكثر البرامج العلمية الطموحة التي ذهبت هباء بسبب عدم اكتمال الرؤية، فكانت كأنها تعمل في فراغ.
"بحر نظيف" تعني، ضمناً، ساحلاً نظيفاً، وشاطئاً نظيفاً، ومياهاً نظيفة، وقاع بحر نظيفاً، وإنساناً متعاملاً مع البحر نظيفاً.
|