نسب أحد الكتاب الصحافيين إليّ، في مقالة نشرتها جريدة «الحياة»، أنني عارضت توصيات تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) حول «إلغاء الدعم نهائياً» عن أسعار البترول «في فترة زمنية ضيقة». الحقيقة أن تقرير «أفد» لا يتطرق في أي مكان إلى «الإلغاء النهائي» (elimination) لدعم الطاقة، لكنه يدعو صانعي السياسات إلى «التوقيف التدريجي» (phasing out) لدعم المحروقات. وأنا لا أعارض هذه التوصية إطلاقاً، خاصة عندما نكون واضحين أنها وسيلة لبلوغ غاية محددة. والغايات الحقيقية يجب أن تكون، على سبيل المثال، سلامة المجتمع وصحة ورفاهية الأجيال الحاضرة والقادمة.
لقد كان الهدف من ملاحظتي الدعوة إلى الحذر من التركيز على إلغاء غير مشروط للدعم، لأن هذا لا يفيد دائماً في المنطق السياسي للدول المصدرة للنفط والغاز، خاصة في أنظمة تقوم على «دولة الرعاية». في المقابل، أكدتُ أن على الحكومات أن تعرف الكلفة الحقيقية للطاقة، ليس فقط من حيث كلفة الإنتاج بل أيضاً التكاليف المتوجبة على استنفاد واستنزاف مورد وطني (احتياطي النفط والغاز مثلاً) والتكاليف على الصحة العامة من حرق الوقود لإنتاج الطاقة (تلوث الهواء والانبعاثات المسببة لتغير المناخ مثلاً). هذا يظهر حجم المبالغ التي يمكن للحكومات توفيرها وتحويلها إلى استثمارات أخرى تقلل من الاعتماد المفرط على الوقود الأحفوري في المدى البعيد، وتأمين تقديمات عامة أخرى مثل تحسين الوضع الصحي وتوفير فرص العمل وحفظ الموارد للأجيال المقبلة.
أفكاري حول هذا الموضوع يعرضها التقرير الذي صدر عن «تشاتهام هاوس» في آب (أغسطس) 2013 بعنوان «توفير النفط والغاز في الخليج». ويعتبر التقرير أن الأسعار المنخفضة للطاقة في منطقة مجلس التعاون الخليجي سبب لتبذير الثروة الهيدروكربونية وعائق رئيسي أمام تحسين الكفاءة. وإذ يشير التقرير إلى أن الأغنياء هم المستفيدون الرئيسيون من سياسات الدعم، يقرّ بأن الزيادات السريعة للأسعار غير مرغوبة سياسياً. وكنقطة بداية، يقترح التقرير: «مشاركة بلدان المنطقة في دراسات لتقدير القيمة الفعلية للثروة الهيدروكربونية وتكاليف حرقها في أنظمة إنتاج الطاقة المحلية»، والعمل على توحيد أسعار الوقود والكهرباء في دول الخليج.
ومهما كانت الحجج، فإن جميع دول الخليج، إضافة الى دول غرب آسيا وغيرها في المنطقة العربية، تتفق على أن الأسعار المنخفضة للوقود والمحروقات والمياه تؤدي إلى ضعف شامل في الكفاءة، وأن ما ينتج عن هذا من زيادة مفرطة في الاستهلاك يقيّد الاقتصادات بمصاريف إضافية. وتتراوح الخسائر من بلايين الدولارات لإنشاء محطات جديدة لتوليد الطاقة، إلى الأمراض التنفسية الناجمة عن الانبعاثات من حرق الوقود، وصولاً الى هدر المياه الجوفية الثمينة التي لا تعوّض. وإذا عملت الحكومات على تحويل بعض هذه التكاليف إلى المستهلكين، وفي الوقت نفسه حماية الفقراء، تكون قدمت نموذجاً يتجاوز ما يقترحه بعض أطراف القطاع الخاص والاقتصاديون الليبراليون الجدد.
ومن اللافت أن قضية تسعير الطاقة والدعم استقطبت اهتماماً جدياً على أعلى المستويات في دول الخليج، خلال الأسابيع القليلة التي تلت مؤتمر المنتدى العربي للبيئة والتنمية. ومن الأمثلة أن الكويت شكّلت لجنة وزارية رفيعة المستوى لمراجعة سياسات دعم السلع الأساسية بما فيها الطاقة والمياه. كما أعلنت الهيئة الإتحادية للكهرباء والماء في دولة الإمارات العربية المتحدة أنها سترفع أسعار الكهرباء بنسبة 15 في المئة في الإمارات الأربع التي تغذيها ابتداء من بداية سنة 2014.
أما التصريح الأقوى فجاء على لسان وزير النفط والغاز العماني محمد الرمحي، الذي قال في مؤتمر في أبوظبي في 10 تشرين الثاني (نوفمبر): «نحن نهدر الكثير من الطاقة، والبراميل التي نستهلكها أصبحت تشكل تهديداً لمنطقتنا بالتحديد... ما يدمرنا بالفعل الآن هي سياسات الدعم... علينا ببساطة رفع أسعار النفط والكهرباء».
غلادا لاهن باحثة رئيسية في دائرة الطاقة والبيئة والموارد، المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتهام هاوس)، لندن، المملكة المتحدة
|