Monday 29 Jul 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
منتدى البيئة
 
عبد الهادي النجار لماذا تفشل مشاريعنا البيئية؟ | 14/01/2014
تمثّل الوثائق التقنية التي صدرت وتمّ تطويرها تحت مظلة "اتفاقية بازل بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود" مرجعاً قيّماً ليس للمختصين في إدارة النفايات الصلبة وحسب، وإنما لجميع العاملين في الحقل البيئي. فهذه الوثائق تعكس طريقة تفكير تقني وتشريعي يمكن الاستفادة منها في مختلف التخصصات البيئية، بشكل مشابه لكتاب "فن الحرب" (للقائد الصيني سون تزو من القرن السادس قبل الميلاد) الذي تعتبر استراتيجياته قابلة للتطبيق في العديد من مناحي الحياة وليس في مجال الحرب فقط.
 
لقد أوردت الوثيقة الإطارية للعام 1994 مجموعة من المبادئ التوجيهية للإدارة البيئية السليمة الخاصّة بالنفايات التي تخضع لاتفاقية بازل. هذه المبادئ، وإن كانت في قسم منها نتاجاً للمبادئ السبعة والعشرين التي تضمّنها إعلان ريو حول البيئة والتنمية عام 1992 مثل مبدأ "الملوِّث يدفع" ومبدأ "المشاركة الشعبية"، يمكن تعميمها على إدارة النفايات بجميع أشكالها، بما فيها النفايات الخطرة التي وُضعت الوثيقة من أجلها، حتى أنه يمكن توسيعها لتشمل الإدارة البيئية بشكل عام.
 
واحدٌ من أهم المبادئ التي تضمنتها الوثيقة الإطارية هو "مبدأ القُرب" الذي ينص على التخلّص من النفايات الخطرة بالقرب من مصادر منشأها قدر المستطاع، مع التسليم بأن الإدارة السليمة بيئياً واقتصادياً لبعض هذه النفايات يمكن أن تتم في مرافق التخلّص الواقعة بعيداً عن مصادر المنشأ.
 
إن مبدأ القُرب ذو أهميّة خاصة، لأنه بشكل أو بآخر ينعكس على استدامة المشاريع البيئية وحُسن إدارتها. ولكن ما يحصل في الحياة الفعلية هو أن التمسّك بهذا المبدأ عند إعداد الدراسات البيئية يُعتبر سباحةً عكس تيار الرغبة الشعبية المعارض والمترافق عادةً بتهرّب أصحاب القرار من المسؤولية.
 
هناك حالات كثيرة لتجاهل مبدأ القُرب في إعداد الدراسات البيئية العربية. ولنقم على سبيل المثال باستعراض الحالة النموذجية الآتية التي نصادفها على الدوام:
 
ترغب إحدى البلديات في إنشاء مطمر صحي جديد للتخلّص من نفاياتها البلدية، فتكلّف استشارياً بإعداد دراسة جدوى متكاملة للمشروع تهدف إلى تحديد موقع المطمر الجديد.
 
جميع الخبرات في التخلّص من النفايات الصلبة تقترح أن يكون موقع المطمر على مسافة تتراوح بين 15 و25 كيلومتراً من مكان تولّد النفايات، وبحدٍّ أقصى حتى 40 كيلومتراً. وذلك لاعتبارات اقتصادية تتعلق بكلفة النقل التي تؤثر على استدامة المشروع، واعتبارات بيئية تفترض على الدوام أنه كلّما كان المشروع بعيداً عن أعين الجهات الرقابية ساءت إدارته بيئياً، إضافةً إلى التلوّث البيئي الذي ينتج عن زيادة مسافة النقل، ولا سيما تلوّث الهواء بفعل الغازات العادمة للآليات وتطاير النفايات.
 
يتم الاتفاق بين المجلس البلدي والجهة الاستشارية على تحديد دائرة بحث بقطر 40 كيلومتراً على سبيل المثال. ويمضي الاستشاري في إعداد الدراسة بشكل نموذجي، باستثناء مشكلة صغيرة هي أن المجلس البلدي يعتبر أن جميع مراحل الدراسة يجب أن تخضع للسريّة التامّة بعيداً عن المشاركة الشعبية في صناعة القرار، خوفاً من عرقلة المشروع نتيجة المصالح الشخصية.
 
يتوصل الاستشاري بعد عام من الدراسة المتأنية إلى اقتراح أفضل موقع للمطمر الصحي. وهنا تأتي لحظة الحقيقة حيث يجب اتخاذ القرار الحاسم من قبل المجلس البلدي باعتماد الموقع المقترح. وهنا أيضاً ينفجر الاعتراض الشعبي في وجه الاستشاري والمجلس البلدي بعد أن تصبح الدراسة معلنةً للعموم.
 
في هذه الحالات، تكون أمام أطراف المشروع مجموعة من الخيارات لمواجهة الاعتراض الشعبي، أسوأها على الإطلاق النظر في اعتماد موقع آخر من بين المواقع التي اقترحها الاستشاري خلال إعداد الدراسة. أمّا التمسك بالموقع المقترح فيبدو على صحته متعذّر التحقيق، تحت وطأة الضغط الشعبي وعدم جرأة المجلس البلدي على اتخاذ القرار السليم.
 
في النتيجة، يتمّ تبنّي الخيار الأسهل بالبحث على عجل عن موقع في منطقة نائية من دون أية دراسة جدوى حقيقية، حيث المعيار الوحيد هو عدم وجود اعتراض شعبي على الموقع.
 
يتم إنشاء المطمر في المنطقة النائية. ولكن علينا ألا نفاجأ بعد عدة سنوات بوجود عشرات مكبات النفايات العشوائية على طول الطريق الواصلة إلى موقع المطمر الصحي. في الواقع، ستكون المفاجأة الحقيقية أن نجد مطمراً صحّياً في نهاية الطريق! الغالب هو أن يتحول المطمر إلى مكب عشوائي لا يراعي أدنى الاعتبارات البيئية.
 
إن الفشل الذي يصيب مشاريعنا البيئية هو أمر وارد لأسباب عدّة، منها سوء التخطيط وضعف الدراسة وقلة الخبرات وعدم كفاية التمويل والفساد. ولكنه يصبح أمراً محتّماً إذا أهملنا المبادئ البيئية الرئيسية واستبدلناها بمبادئ أخرى من شاكلة أن "الجمهور عاوز كده".
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.