نشر أحد الكتّاب مقالاً بعنوان «تجربة في تشابك الكهرباء والمياه والشمس»، انتقد فيه وصفاً لمحطة الكريمات للطاقة الشمسية في جمهورية مصر العربية، ورد في التقرير الصادر مؤخراً عن المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) بعنوان «الطاقة المستدامة». وقد رأى كاتب المقال أنه تم تجاهل استهلاك هذه المحطة من مياه النيل الذي أقيمت بالقرب منه على بعد 100 كيلومتر جنوب القاهرة. ورداً على ذلك، بصفتي كاتب هذا الوصف عن محطة الكريمات وأحد محرري التقرير، أرى من الضروري إيضاح بعض الحقائق المتعلقة بهذه المحطة، التي تعد واحدة من أربع محطات تجريبية شارك في تمويلها مرفق البيئة العالمي في كل من مصر والمغرب والمكسيك والهند.
تعتمد المحطة على الدمج بين محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالغاز الطبيعي وتلك التي تعمل بالطاقة الشمسية، بحيث يتم الاستفادة من الطاقة الشمسية خلال ساعات النهار بينما تعمل المحطة بالغاز الطبيعي أثناء الليل. وهذا يؤدي إلى توفير للوقود وخفض للانبعاثات الضارة، خاصة ثاني أوكسيد الكربون المسبب الرئيسي لمشكلة تغير المناخ. كما يؤدي التهجين بين الغاز والشمس إلى رفع كفاءة المحطة لتصل إلى نحو 80 في المئة.
أما عن قضية استهلاك المياه، فمن المعروف لدى المتخصصين أن جميع محطات توليد الكهرباء الحرارية التي تعمل بكل أنواع الوقود (فحم، بترول، غاز طبيعي)، والمحطات النووية، تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه تستخدم في التبريد ـ فعلى سبيل المثال فإن نصف استهلاك الولايات المتحدة من المياه يذهب إلى محطات توليد الكهرباء. لذا فإن استخدام المياه في محطات الطاقة الشمسية، كتلك الموجودة في منطقة الكريمات في جنوب مصر، ليست مسألة محصورة بالمحطات الشمسية المركزة.
وقد تم اختيار هذا الموقع بعد دراسات تفصيلية قامت بها بيوت خبرة عالمية تحت إشراف البنك الدولي. فهو يتميز بشدة الإشعاع الشمسي وقربه من مصدر للمياه هو نهر النيل، علاوة على قربه من شبكات الكهرباء والغاز.
واذا استخدمنا أرقام استهلاك المياه ذاتها التي وردت في المقال المشار إليه، وهي نحو 3 أمتار مكعبة من المياه لكل ميغاواط ساعة من الكهرباء المولدة، أي نحو 3 ليترات من المياه لكل كيلوواط ساعة، فإن اجمالي استهلاك محطة الكريمات الشمسية من المياه يقدر بنحو 100 ألف متر مكعب من المياه سنوياً، وهو رقم هزيل بالنسبة إلى موارد مياه النيل التي تقدر بنحو 55 بليون متر مكعب سنوياً. كما أذكّر، على سبيل المقارنة، بأننا نحتاج إلى 1300 ليتر من المياه لإنتاج كيلوغرام واحد من القمح. فهل سنتوقف عن زراعة القمح؟ وأيضاً لن نتوقف عن استخدام الطاقة الشمسية النظيفة في بلد يعاني من شح في موارد النفط والغاز، مع ارتفاع قيمة وارداته من منتجات البترول إلى أرقام أصبحت تشكل صداعاً مستمراً لصناع القرار. وبالتالي فلا محل للحديث عن تجاهل مشكلة استهلاك المحطة من المياه، إذ أن ذلك يمثل واحدة فقط من جملة مسائل يتم أخذها بعين الاعتبار عند تخطيط وإنشاء مثل تلك المحطات.
لقد أصبح عقيماً استمرار التشكيك بمزايا إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بعد التطور الكبير في استخداماتها على مستوى العالم كله. وفي مؤتمر «أفد» تحديداً، قدمت شركة «أكواباور» السعودية عرضاً لمحطة لإنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية المركزة تبنيها حالياً في المغرب، وتبدأ الإنتاج سنة 2015 بطاقة 160 ميغاواط. وهي مبادرة من القطاع الخاص، بحيث تبيع الكيلوواط ساعة بسعر 17 سنتاً وتحقق ربحاً، مع أن السعر أقل بنحو 30 في المئة من كلفة إنتاج الكهرباء من الوقود التقليدي في المغرب. وإذا كان من سبب لمعارضة الإفراط في استخدام المياه لإنتاج الكهرباء، فالأجدر أن يتم التركيز على الطاقة النووية التي تتطلب الكميات الأكبر من المياه. وإذا كان هناك من اعتراض على سحب المياه الجوفية لاستخدامها في محطات إنتاج الكهرباء، فهذا لا ينطبق على محطة الكريمات التي تقع على مجرى نهر النيل.
|