منذ سنوات قليلة، أعلن نفر من علماء البيئة في الولايات المتحدة موت آخر عصفور من نوع الشحرور الساحلي Turdus merula السوادية الساحلية المغردة في أحد مختبرات ولاية فلوريدا، بعد فشل محاولات إكثاره لإعادته إلى خريطة الحياة. فكم من سكان العالم سمع بهذا الخبر... أو استوقفه خبر انقراض عصافير السوادية الساحلية المغردة ؟
إنه ليس أكثر من مجرد نوع واحد، بين ثلاثين مليون نوع أو يزيد من الكائنات الحية، نباتية وحيوانية، ترسم صورة الحياة على سطح كوكبنا. وهذا رقم تقديري، لم يتمكن العلماء من تحديده بعد، إذ توقفت حدود قدراتهم عند ما يقرب من المليون ونصف المليون من أنواع الكائنات الحية التي أتيح لعلماء التصنيف التعرف عليها وتسجيلها، بصفاتها المميزة وأسمائها العلمية. فإن نقص هذا العدد الضخم واحداً، فلعله أمر لا يستحق الالتفات إليه.
وهذا حقيقي، إن اقتصرت المسألة على السوادية الساحلية. فالمبيدات الحشرية، التي كانت السبب المباشر في إنهاء وجود ذلك العصفور، هددت وتهدد وجود آلاف من أنواع الكائنات الحية. ويعتقد خبراء أن التدهور المتسارع في بعض الأنظمة البيئية، والاستوائية منها على وجه الخصوص، ينذر بأن ربع التنوع الأحيائي الذي تغنى به الأرض معرض للانقراض في المستقبل المنظور. بل إن هؤلاء الخبراء يرون أن عدداً كبيراً من أنواع الكائنات الحية، في مختلف الأنظمة البيئية، قد انقرض فعلاً، نتيجة ضغط الأنشطة البشرية وجورها عليه، قبل أن يعرفه البشر ويسجله علماء التصنيف!
والحقيقة أن ما يعاني الجور الآن ليس نوعاً أو عدة أنواع من الكائنات الحية، بل أنظمة بيئية كاملة. وقد ساعد على إبراز الاستغلال الجائر للأنظمة البيئية، وأيضاً على إحاطته بدرجات متفاوتة من الحساسية، اختلاف مستويات الغنى بالموارد الطبيعية الحية بين الشمال والجنوب.
فالشمال المتقدم تكنولوجياً، المتعطش لتلك الموارد، أقل غنى من الجنوب الذي يمتلك معظم الأنظمة البيئية الغنية بالموارد الطبيعية الحية ويسعى إلى تنفيذ خطط طموحه للتنمية واللحاق بركب التقدم. وهكذا، التقى الشمال والجنوب – وهي من المرات النادرة التي يلتقيان فيها - عند الحاجة الملحة للموارد الطبيعية الحية. فارتفع صوت علماء البيئة داعياً إلى توخي الحذر، فنحن أمام أنظمة بيئية حساسة، استغرقت ملايين السنين لتنشأ وتتطور وتغتني بصور الحياة المتنوعة، وأصبحت قيمتها مثل قيمة اللغة والثقافة كميراث قومي.
إن لقضية صون التنوع الحيوي شقاً أخلاقياً، فعلى الذين يبيحون لأنفسهم ألا يتبعوا سياسة بيئية رشيدة أن يقولوا لنا: من أعطاهم الحق في تهديد وجود ملايين الكائنات الحية التي تشاركنا الحياة على الأرض؟ ألا يعلمون أن التكالب على الموارد الطبيعية الحية يهدد، ضمن ما يهدد، مصالحهم هم أنفسهم؟ فإذا نضب ما يتكالبون عليه فكيف تسير أعمالهم؟ وماذا يتركون لأبنائهم؟
|