يحظى البشر الآن بقـدر غيـر مســبوق من المعرفة والمهارات والموارد. ومع ذلك ثمة من يرى أن البشـرية تســـير نحـو صـدام مـع مســـتقبلهـا. فنضـوب المـوارد الكونية وتلوثهـا وتعاظـم التبايـن بين الأغنيـاء والفقـراء وما يتبع ذلك من احتمالات احتدام الصـراع هـي أمـور تثيـر المخـاوف والحيـرة والشــبهات. ومما يزيد المسـألة تعقيداً أنَّ المؤسسات التي ترعى أحوال "الوضع الراهن" راسـخة البنيان، أما "المســتقبل" فــلا صــوت لـه يُعْتــدُّ بـه.
وبسبب هذه الحال أصاب القلق مجموعة من المفكرين العالميين، أمسـوا في حـال من التوجس تجـاه المسـتقبـل من جرَّاء ما يُتَّـبــعُ من أسـاليب تفكيـر باليـة. فتوصـلوا إلى فكـرة تجلـب تغيـراً ملموسـاً في طريقـة اهتمامنـا بعضنـا ببعض وبالكـوكــب الذي نعيـش فيـه. وهي تتمثل في إنشـاء منتدى جديد لقيـادة الكون يطلق عليه اســم "مجلس مســتقبل العالم"، تتجمع فيه القيادات الأخـلاقيـة وأعضـاء الهيئات التشـريعيـة القوميـة ومواطنـون مســتنيرون، يزوّدون بكل ما يحتاجونه ليداوموا التفكير العملي في المسـتقبل البعيـد أملاً بخلق عالم جميل منيع ضـد جوائح المستقبل. وذلك بإجراء تغييرات كبيرة متسارعة في الاتجـاه الذي يمضـي فيـه التقدم، منهـا التأكيــد على أهمية مبـدأ الاســتدامة البيئية كقاعـدة للتنميـة البشــرية، وتوفر عنصـر العدالة في تصـريف شـؤون العالم. ويتطلَّـع أصحاب هذه الفكرة إلى أن يضطلع المجلس بدور الضمير الكوني، فيسعى لمواجهة ما يترتب على قصـور الرؤية من جشــع وتبلُّـد ورضـى بالواقع.
وقد تم التخطيط لأن يتكون المجلس من أفراد بارزين يُنتَقـون من كـل أنحـاء العالم، بينهم الشيوخ الحكماء والشخصيات المبرَّزَة في مختلف المجالات والرواد قـادة الشـباب، تجمعهم لقـاءات دورية منتظمـة يهتمون فيهـا بســد ثغـرات خـطـط العمـل العالمي حمايةً لحقوق الأبنـاء والأجيـال القادمـة، ويعطـون تصـوراتهـم لمـا هـو ضـروري وليس فقط لما قد يبدو ممكناً أو محتمــلاً من وجهة النظر السياسية.
وسـيكون في خـدمة المجلس 24 لجنـة خبـراء صغيـرة تهتـم بالقضـايـا الأساسية في المجالات البيئية والاجتماعية والاقتصـاديـة، وتراقب توجهـات العالم، وتعد اقتراحـات بتشـريعات ونصوص اتفاقيات دولية. وتقدم اللجان تقاريرها إلى المجلس ليبحثها ويأخذ بهـا. أما الهيكل التنظيمي للمجلس ذاته فسـوف يتوفر فيه عنصـرا البسـاطة والفعالية، وسيكون له ثـلاثة أو أربعة مقــار في مواقع أساسية تتضمن جنوب العالم. وسيشتمل الهيكل أيضاً على هيئة تنفيذية لهـا سكرتارية متعددة اللغات تدعمهـا دائرة من المستشـارين، ويتحدد عملها في التنسيق بين أنشـطة المجلس.
وتعكـف في الوقت الراهن لجنة دولية مصغَّـرة على تنسـيق شـؤون هذه المبـادرة، التي تعقد بانتظام لقاءات تمهيدية يحضـرهـا مفكرون بارزون ونشطاء من كل قارات العالم. وقد استضاف هذه اللقاءات كلٌ من مدينتي سالزبورغ في النمسا وتنيريف في إسبانيا.
الجدير بالذكر أن مهـام المجلس سوف تشتمل على تحليـل وتثميـنٍ لقضـايــا تجري معالجتها الآن في تكاسـل واضـح، مثل تغيّر المنـاخ واجتثاث الغابات وافتقاد العالم لعدالة التوزيـع. ولـن يكتفـي المجلس بذلك، بل سـيعمل جاهـداً لإصـلاح هذه الأحـوال بأن يســد الفوارق بين ما هـو حاصـل فعـلاً وما تقتضـي الأحوال به أن يتـمَّ.
|