أفاق صاحب السعادة من نومه في السابعة والنصف بكل هدوء وتأن. حضّرت له العاملة الآسيوية قهوة الصباح في مكتبه المنزلي، وجلبت له الصحف اليومية. سائق السيارة الحكومية المخصصة للعمل الرسمي أوصل إبنه إلى مدرسته الثانوية، وهو الآن بصدد إيصال إبنته إلى الجامعة. تناول صاحب السعادة فطوره المغذي وارتدى بذلته الإيطالية الفاخرة وانتظر وصول السائق ليوصله إلى مكتبه الرسمي.
قبل وصوله إلى المؤسسة الحكومية، اتصل السائق بالقائمين على العلاقات العامة والمراسلين لحجز المصعد لصاحب السعادة والايعاز لمن يتسنى من الموظفين لاستقباله ومنحه الجرعة اليومية من الشكر والتقدير والولاء والعرفان. وصل صاحب السعادة مبتسماً إلى مكتبه الرسمي، وطلب جدول أعماله المزدحم في يوم عمل طويل قبل سفر مرتقب.
على صاحب السعادة افتتاح ورشة عمل حول تلوث الهواء في المدينة. أوعز إلى سائقه بإبقاء السيارة في موقف المؤسسة في حالة التشغيل، مع استمرار المكيف بالعمل لكي لا تسخن السيارة نتيجة وقوفها في الشمس. صاحب السعادة حصل على الكلمة التي سيلقيها من المسؤول الإعلامي والمستشار الفني الذي سيرافقه إلى الورشة. قبل التوجه نحو الفندق، كان لزاماً على صاحب السعادة مراجعة آخر الإشاعات والأخبار في مؤسسته عن طريق الموظفين أصحاب الثقة، إذ لا بد من متابعة جميع التفاصيل في سياق العمل.
وصل صاحب السعادة إلى الورشة، التي حضرها فنيون وموظفون وإعلاميون قاموا بالتصفيق له بعد إلقاء كلمته التي يشاهدها للمرة الأولى، وتم توزيعها على الصحف لنشرها في اليوم التالي. التفَّ المشاركون حول صاحب السعادة يمطرونه بوابل من عبارات الثناء في استراحة القهوة، ليعود صاحب السعادة إلى مكتبه في السيارة التي بقيت مكيفة طوال الوقت.
يلتقي صاحب السعادة مع المسؤول الإعلامي للاتفاق على التغطية الصحافية التي سيحظى بها في اليوم التالي، ثم يلتقي مع مستشاريه المقربين لمناقشة البريد الوارد، خصوصاً ما يتعلق بالسفرات والمكافآت واللجان وفرص التمويل المتاحة لتقسيمها على أصحاب الحظوة. يستقبل صاحب السعادة مسؤولاً في برنامج دولي كبير للاتفاق على مشروع جديد من الدعم الخارجي، مؤكداً تصميم المؤسسة وصاحب السعادة شخصياً على الالتزام بقيم حماية البيئة والتنمية المستدامة والشفافية في الإدارة.
يتلقى صاحب السعادة مجموعة مكالمات من نواب وشخصيات متنفذة للتأكد من عدم معارضة المؤسسة المشروع الجديد لبناء مصنع محاذ للتجمعات السكنية. ويتلقى تعليمات من وزير الصناعة بتخفيف الضغط عن المصنع الكبير الذي يستمر في التلويث من دون رادع نظراً لأهمية المصنع للاقتصاد الوطني. يعد صاحب السعادة الجميع بالتعاون، مؤكداً أنه سيكون نصيراً للوطن والقيادة ما دام باقياً في منصبه.
في وقت الغداء، يجوع صاحب السعادة فيطلب وجبات جاهزة له ولمستشاريه المقربين على حساب الخزينة العامة، ثم يستعد لتوقيع البريد المتراكم قبل السفر، ويستمر في ذلك لمدة ساعة قبل أن يطلب السائق للذهاب إلى المطار. في المطار يلتقي صاحب السعادة مع المدام التي أصرت على استغلال فرصة لا تتكرر كثيراً للذهاب إلى ميلانو، ويركبان في درجة رجال الأعمال على حساب الدولة.
يصل صاحب السعادة والمدام إلى الفندق قبل يوم من المؤتمر، ويقضيان الوقت في التسوق والسياحة. في اليوم التالي يشارك صاحب السعادة في افتتاح المؤتمر الدولي حول الإنتاج والاستهلاك المستدام، ثم يترك المؤتمر ملتحقاً بالمدام في معالم ميلانو السياحية حتى انتهاء المؤتمر. يعود صاحب السعادة إلى بلاده في الساعة الثانية عشرة إلا عشر دقائق ليلاً، ولكنه ينتظر ليدخن سيجارة في قاعة المدخنين إلى ما بعد الساعة الثانية عشرة، بحيث يتم ختم جواز السفر بموعد اليوم الجديد، مثبتاً يوماً إضافياً في لائحة مياومات السفر.
يعود صاحب السعادة إلى مؤسسته في اليوم التالي، ويجهز المستشار الإعلامي خبراً طويلاً حول المشاركة القيّمة لصاحب السعادة في إظهار تجربة بلاده الرائدة في مجال الإنتاج والاستهلاك المستدام.
|