Sunday 01 Sep 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
اليس في بلاد العجائب
هذه مساحة حرّة مفتوحة لتعليقات بيئية بين الهزل والجد
 
رجب سعد السيد حكاية عن الأحافير | 12/09/2013

رجب سعد السيد

جاء أحد علماء الأحافير إلى مرتفعات رسوبية في منطقة بني سويف، جنوب القاهرة، وكانت ميـاه البحر المتوسط تصلُ إليها في عصور جيولوجية سحيقة. وقد تمكن ذلك الرجل من استخلاص صحائف حجرية جيرية تحتوي على نماذج رائعة لأحافير أنواع من الأسماك، تمكَّنَّــا في ما بعد، ولشدة وضوح تفاصيل تكوينها، من تصنيف معظمها وتسميته في مختبر تصنيف الأسماك حيث نعمل.

وبعد أن حصل الرجل على بغيته، مخالفاً الأصول المرعية ومتجاهلاً الإجراءات الرسمية، رتَّـبَ أحافيره في حقيبة جلدية متوسطة الحجم احتوت على نحو 40 أحفورة، وحملها ليغادر البلاد بحراً عبر ميناء الإسكندرية، حيث استرعت محتوياتها انتباه رجال الجمارك فصادروها على أنها "آثار". وهي بالطبع آثار، ولكنها ليست آثاراً فرعونية كما تهيأ لهم، بل هي – إن شئت الدقة – سجلٌّ لأحياء تنفست هواء كوكبنا في عصور تبعد عنا عشرات أو مئات آلاف السنين إلى الوراء.
ارتضى الرجلُ أن يتصالح مع رجال الجمارك، متنازلاً عن حقيبته، قبل أن يصعد إلى السفينة مغادراً الإسكندرية خائباً. فهو خسرَ جهده، وفسدت خطة دراسة علمية نعتقد أنه كان يعد العدة لها، حول أحافير الحيوانات الفقارية البحرية في المنطقة.

مكثت حقيبة الأحافير المُصـادرَة في مخازن الدائرة الجمركية عدة أيام، قبل أن يقوم المسؤولون بإرسالها إلى "جهة الاختصاص"، وكانت تلك الجهة، في رأيهم، هي هيئة الآثار. وفوجئ الأثريون بهدية الجمركيين، التي لا تمت بصلة لاهتماماتهم، فأعادوا الحقيبة إلى الجمرك، مع توصية بأن ترسل إلى معهد علوم البحار. فجاءت إلينا، وليتها لم تأتِ.

ظلت تلك الحقيبة "مقبورة" في مخازن المعهد لعدة شهور، إلى أن صادف أنني كنتُ أبحثُ في المخزن عن بعض أدوات لشغلي العلمي، فوقعت عيناي عليها. سألتُ مدير المخازن عنها، فأخبرني أن مندوباً من الجمرك جاء و"ألقى" بها إليه، وأن محتوياتها عبارة عن قطع من الحجارة عليها "رسومات بدائية" لأسماك.

لم يخطر ببالي إلاَّ أن ما يعنيه "المخزنجي" ليس أكثر من صحائف حجرية جاءت من كهوف رسم أجدادنا البدائيون على جدرانها. ثم دفعني الفضولُ لتفحصها، ففتحتُ الحقيبة، وكانت المفاجأة: رقاقات جيرية مصفرة اللون، تحتوي على "طوابع" لأحافير بالغة الروعة لأنواع عديدة من الأسماك، بعضها نعرفه الآن كأنواعٍ من أسماك العائلة المرجانية، ولكائنات بحرية قشرية مثل الجمبري (الروبيان)، وكائنات رخوية معروفة، وأخرى اختفت من خريطة الوجود.

اقترحتُ أن نعد الأحافير، وهي برأيي لا تُقدَّر بثمن، للعرض في المتحف التابع للمعهد. وأعددنا لها واجهة عرض لائقة، زودناها ببطاقة عليها بيانات مختصرة. وكانت تحظى بإقبال ملحوظ من رواد المتحف. وصادف أن زرت المتحف، بعد تقاعدي، ففوجئتُ بالأحافير الثمينة وقد غطتها طبقة من الفطر شوهت ملامحها. في تلك اللحظة، تمنيتُ لو أن ذلك العالم الذي حصل عليها من جبال بني سويف تمكن من الإفلات بها في ميناء الإسكندرية.
 


 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.