Sunday 01 Sep 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
اليس في بلاد العجائب
هذه مساحة حرّة مفتوحة لتعليقات بيئية بين الهزل والجد
 
جعفر طيّون العشاء الأخضر | 26/07/2010
تصل الى احتفال حزب يحمل اسم "الخضر" منتظراً أن يستقبلك أعضاؤه، الذين قيل إنهم وصلوا إلى 1400، فإذا بمضيفات من احدى الوكالات يرحبن بالمدعوين ويرشدنهم إلى طاولاتهم في الفندق الأنيق. وعلى الباب تقدم لك مضيفة مجلة مغلفة بالنايلون، تعتقد للوهلة الأولى أنها تتحدث عن مواضيع البيئة، فإذا بك تفاجأ بأنها نشرة ترويجية لشركة "قابضة" تعمل على بناء جزيرة اصطناعية تبلّط البحر قبل أن تصبح العضو الرقم 45 في "منظمة الجزر الصغيرة المهددة بالزوال" بسبب تغير المناخ وارتفاع البحار.
بعد ساعة من الانتظار، تجلس على مقعدك لتجد قبالتك لوحة بأسماء الجهات الراعية، على رأسها شركة الجزيرة الاصطناعية نفسها، محاطة بشركة تطوير عقاري تنفذ مشروعاً يقضم 260 ألف متر مربع من أشجار الصنوبر والسنديان لاقامة مجمع سكني، إلى شركة للاسمنت لا يتبين من بقايا الجبال التي شوهتها لاستخراج التراب أو من دخان مصانعها أنها مهتمة بحل مشاكل "جمهورية الباطون"، التي يحلو للداعين إلى الحفل مهاجمتها.
تقف فتاة ممشوقة القوام بثوب أخضر على المنبر، تعتقد للوهلة الأولى أنها من أعضاء الحزب أو أحد مسؤوليه، لتكتشف مع بداية كلامها أنها مجرد مقدمة برنامج، بدأت التدرب على دورها قبل أسبوع، كما أفصحت. وبعد قطعة شعرية عن الأخضر والأزرق، تقدم الفتاة الخضراء "رئيس الحزب" على أنه القائد المخلّص والمنقذ من الضلال البيئي. فيظن الحضور أن ماوتسي تونغ بُعث حياً. يبدأ الرئيس الكلام، وسط جلبة بين الحضور الذين ضربهم الجوع على طاولات العشاء. وإذ لم تنفع مناشداته للاصغاء، يستمر الرئيس في القاء كلمته وسط الضجيج: "يقولون لي إنني مشروع وزير بيئة، لكن أي ظلم يريدون إيقاعه بي، في وزارة بلا موازنة ولا صلاحيات وفي بلد بلا قوانين"، ثم يتابع مردداً شعارات عن الأخضر والأزرق والباطون، وخلفه لائحة بأسماء رعاة العشاء والحزب من أرباب نحر الأحراج الخضراء وتلويث البحار الزرقاء وصناعة الباطون. أما موقف الحزب من التخطيط للبيئة كجزء متكامل من برامج التنمية المستدامة، وموقع البيئة في الاقتصاد والتدابير المالية والضريبية والعدالة الاجتماعية والسياسة الخارجية، وهي كلها في أساس سياسات أحزاب الخضر في العالم، فلا أثر لها.
وسط عدم اكتراث الحضور، يعرض أحد المهندسين المعروفين مشروعاً لتحويل "نهر" بيروت، الخالي من المياه معظم فصول السنة، إلى "نهر أخضر"، بسقف بعض أجزائه واقامة مشاريع عقارية "خضراء" على ضفافه. ووسط الجلبة، لم يفهم الحضور كيف يمكن خلق "ضفاف" لهذا النهر الجاف، الذي تحيط مجراه المرصوف بالباطون المسلح طرقات وأبنية من كل جانب، وكيف يمكن إعادة المياه اليه. فالضفاف الخضراء تحتاج الى نهر في المقام الأول، والنهر يحتاج إلى مياه.
يجيء دور وزير البيئة، فيعتذر من المدعوين الجياع عن "اضطراره" لالقاء الكلمة، بعد ساعتين من انتظار تقديم طعام العشاء. فهو يمثل رئيس الحكومة، ولا بد له من تأدية الدور البروتوكولي المطلوب.
يبدو الحبور على وجه معالي الوزير، وقد انتهى من إلقاء الكلمة وسط جمهور غير مكترث. فيتنفس الناس الصعداء معه، لأن ساعة العشاء قد أذنت. وبعد الجولة الأولى للصحون، لا يعيد الانتباه والاصغاء إلى الجمهور إلا عرض أزياء لفتيات "وكالة نضال" يستوحي الطبيعة بما قل ودل، قدمته بنات رشيقات استبدلن ورقة التوت بأوراق الموز، وقد يكون هذا على سبيل تكريم الشركة الراعية التي تعتزم بناء جزيرتها مقابل بساتين الموز في الدامور. فشخصت عيون الحضور على الأجساد المتمايلة ونزل عليهم الصمت للمرة الأولى، كأن على رؤوسهم الطير.
وفي ختام "ملائم" لطبيعة الحفل، بدأ إشعال السيجار الكوبي ذي المقاسات الكبيرة، انطلاقاً من طاولات "الوجهاء"، ربما للتعبير عن عظيم القدر والمقام.
كثير من الحضور، خصوصاً الشباب بينهم، أتوا حباً بالبيئة، ودعماً لفكرة قيام حزب سياسي بيئي في لبنان، خارج محاصصات الطوائف والقبائل. هؤلاء كانوا غرباء بين أَكَلَة اللحوم وأصحاب الوجاهة. البيئة تستحق أكثر من هذا، كما هؤلاء الشباب الأنقياء. وإذا كنا لا ننكر حق السعي إلى الوجاهة والجاه لمن يرغب بهما، فليبحث هؤلاء عن عنوان غير البيئة للوصول، إذ يكفي البيئة تجريحاً من الذين يقفون علناً ضدها. البيئة ليست ورقة يانصيب، وأحزاب البيئة، كأية أحزاب جدية أخرى، يبنيها مناضلون مؤمنون لا شركات العلاقات العامة. بعض من الحياء.
 
جعفر طيون
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.