ماذا لو حدثت فتحة ضخمة في أعمق نقطة في المحيطات، المعروفة بنقطة تشالنجر في خندق ماريانا على عمق نحو 11 كيلومتراً في غرب المحيط الهادئ، لتتسرب منها مياه المحيطات المتصلة بعضها ببعض إلى طبقات جوف الأرض؟
إن لم تعجبك هذه الطريقة في إخلاء الكرة الأرضية من مياه بحارها ومحيطاتها، فلك أن تتخيل طريقتك الخاصة، إذ بدأنا حديثنا بالتساؤل الافتراضي: ماذا لو؟ وابحث لنفسك أيضاً عن إجابات لأسئلة افتراضية أخرى من قبيل: كم يستغرق إخلاء المحيطات من مياهها؟
أما إذا سألتَ: كيف ستبدو الأرض بعد أن يغيض ماء محيطاتها وبحارها؟ فإليك هذا التصور المبني على علمنا الحالي بطبوغرافية قاع محيطات العالم:
عند انحسار مياه المحيطات بمقدار 50 متراً عن مستوى سطحها الحالي، ستتصل جزر سريلانكا ونيوغينيا وبريطانيا وجاوة وبورنيو بأقرب أراضٍ قارية مجاورة لكل منها. أما هولندا، فسوف تصير أراضيها عالية وتبدأ في التخلص من التهديد الكابوسي الذي تعايشه الآن بهجوم فيضانات كارثية تغرقها، وبدلاً من إهدار طاقاتها في الحماية من البحر المتربص بها، ستتوفر لها الفرصة لتزيد مساحة أراضيها بضم أراضي قاع المحيط التي انحسر عنها الماء.
دعونا الآن نتصور انخفاضاً إضافياً في مستوى سطح المحيط، بمقدار 100 متر، لنرى بروز جزيرة هائلة يرتفع مسطحها أمام سواحل نوفا سكوشيا ونيوفاوندلاند في غرب كندا، فتحل محل المنحدرات المحيطية العظيمة (غراند بانكس) التي تبلغ مساحتها 360 ألف كيلومتر مربع.
وتتزايد غرابة خريطة الأرض عندما ينحسر المحيط مئتي متر، ليتوالى ظهور الجزر الجديدة. وتتضخم إندونيسيا فتبدو كتلة كبيرة. وتستمر هولندا في التمدد باتجاه الشمال حتى تصبح أكبر دولة أوروبية من حيث المساحة، وربما وصلت بها الحال لأن تصبح جسراً يربط أوروبا بالشمال الأميركي. أما اليابان، فإنها تصير أرخبيلاً كبيراً يربط بين شبه الجزيرة الكورية وروسيا. وتنتفع نيوزيلندا بانحسار مياه جنوب المحيط الهادئ فتنمو إلى حد كبيرة.
وتمتلئ خريطة العالم بالجزر الجديدة التي يعريها انحسار الماء بنحو ثلاثة كيلومترات عمقاً. ويكفي هذا الانخفاض في مستوى سطح المحيطات لتظهر قمم سلاسل الجبال القاعية التي كان الماء يخفيها، فتضاف مساحات هائلة إلى ما كان على اليابسة من جبال وأراضٍ وعرة. ولن يتبقى من مياه المحيطات غير بحار محدودة ضحلة، مع بعض الخنادق التي كان عمق المياه فيها يقارب خمسة كيلومترات.
ويبدو السؤال في العنوان مقابلاً للسيناريو غير السار الذي يقول به كثير من علماء البيئة البحرية، عن ارتفاع سطح البحر، وكلاهما مرٌّ. وقد يكون المستهدف من هذه السيناريوهات والأسئلة الافتراضية هو التنبيه إلى أن المحيطات هي أهم نظام بيئي داعم للحياة على سطح الأرض، وتقوم بدورين لا غنى عنهما: فهي تمتص الإشعاع الشمسي، لتقوم تياراتها بتوزيع طاقته الحرارية على أنحاء الأرض. وهي التي تغذي عمليات دوران المياه، فتتركها تتبخر إلى الهواء، لتصير غيوماً تسافر آلاف الكيلومترات هنا وهناك، لتسقط على اليابسة أو على بحار الأرض ومحيطاتها.
|