شعرت "مونا" براحة كبيرة بعدما أنهت البيان الذي ستقرأه غداً في مؤتمر صحافي دعت إليه العديد من وسائل الإعلام السويدية. لقد قارب عمرها الستين، وما زالت تلك الهفوة التي ارتكبتها قبل 25 عاماً تؤرقها على الدوام وتسبب الحرج لها ولأنصارها.
فضيحة "الشوكولا السويسرية" التي تورطت بها مونا أخذت أبعاداً كبيرة منذ تسربت تفاصيلها إلى الصحافة، مما استدعى إجراء تحقيق رسمي مطول في ملابساتها والإشكاليات التي رافقتها.
كانت ليلة عاصفة عندما خرجت من مبنى الوزارة وركبت سيارتها عائدة إلى منزلها في إحدى البلدات القريبة. ولم تكد تقطع نصف المسافة حتى لاحظت أن مؤشر الوقود أخذ بالوميض. لم يشغلها الأمر كثيراً، فهناك محطة وقود على بعد ثلاثة كيلومترات، وهي واحدة من محطات كثيرة تقوم على الخدمة الذاتية لتعبئة الوقود باستخدام بطاقات الاعتماد الإلكترونية.
ركنت مونا سيارتها بجانب إحدى المضخات، ومدت يدها تفتش في حقيبتها بحثاً عن بطاقة الاعتماد الخاصة بها. وعندما لم تجدها خانتها تقديراتها، فاستخدمت البطاقة الحكومية المخصصة لنفقات الوزراء. وفي لحظة تسرع أقدمت على استخدام البطاقة ذاتها في شراء لوحين من الشوكولا من ماكينة البيع الآلي في المحطة. لقد انهارت أمام إغراء الشوكولا السويسرية في هذا الجو البارد، وهذا ما ستندم عليه طوال العمر!
بعد عدة أسابيع كانت المسألة قد كبرت ككرة ثلج. ومع أن مونا قد أعادت إلى الخزينة العامة مبلغ الخمسين يورو الذي أنفقته، إلا أن ما حدث في تلك الليلة تحول إلى قضية رأي عام أثارت الكثير من الجدل. أيحق لوزير استخدام أموال الشعب بشكل موقت في نفقاته الشخصية الاضطرارية؟ متى كان شراء الشوكولا أمراً اضطرارياً؟ ألا يعتبر سحب المال من مخصصات الوزير وإعادته إلى الخزينة العامة تلاعباً ببنود الموازنة الوطنية؟
أسئلة كثيرة حاولت لجنة التحقيق تفكيك إجاباتها طوال 25 سنة، وفي النهاية كان لا بد مما ليس منه بد. لقد أخطأت مونا في تقديراتها، وتوجب عليها تقديم استقالتها.
في هذه الأثناء، داخل مبنى حكومي في إحدى الدول العربية، كان نضال يتفحص البريد الرسمي الذي وصله للتو. فجأة، علا صوته وهو ينقر بأصابعه إحدى المراسلات، وقال مرتاحاً: "انتهت المشكلة، وافقت وزارة المال على إجراء المناقلة ضمن الخطة الاستثمارية".
لقد كانت مسألة مربكة بعض الشيء، إذ إن المحافظ المعيّن مؤخراً أزعجه صوت تسرب المياه من إحدى الحنفيات في قصر الضيافة المخصص لإقامته. ولحرصه على الموارد المائية، أقسم ألا يعود إلى مقر سكناه قبل استبدال جميع الحنفيات في القصر، ثم اختار الإقامة مع أسرته في فندق راق لنحو ستة أشهر ريثما تمت معالجة المشكلة. في المحصلة، ترتب على أمانة المحافظة تسديد ما يعادل 5000 دولار كنفقات لاستبدال حنفيات القصر، وتسديد 500 ألف دولار كنفقات لإقامة المحافظ في الفندق!
تذكّر المحاسب "نضال" كل هذه الأحداث وهو يدقق في قيم المخصصات التي وافقت وزارة المال على اعتمادها. لقد استطاع بدهاء يحسده عليه جميع المحاسبين في العالم تغطية هذه النفقات التي لم يكن يوجد لها رصيد كاف في الموازنة الجارية للمحافظة. كل ما تطلبه الأمر هو إجراء تعديلات بسيطة في صياغة الفواتير. ففي الفاتورة الأولى تم استبدال عبارة "صيانة حنفيات" بعبارة "صيانة سكورة مياه"، وفي الفاتورة الثانية جرى استبدال عبارة "استضافة المحافظ" بعبارة "استضافة خبراء".
كانت هذه التعديلات كافية لاقتطاع النفقات من مشروع "صيانة واستبدال أقسام في شبكة المياه العامة" الذي تقوم المحافظة بتنفيذه. الإشكالية الوحيدة كانت في حجم النفقة المخصصة للخبراء، مقارنة بكلفة المشروع الإجمالية التي لا تتجاوز مليون دولار، حيث أصرت وزارة المال بكتاب رسمي على تبرير هذه النفقة لإجراء المناقلة في اعتمادات المشروع والموافقة على صرفها.
تحت إصرار وزارة المال، لم يكن أمام نضال سوى عرض الكتاب على المحافظ، الذي رفع سماعة هاتفه متصلاً بمكتب رئيس الحكومة. وعلى هامش كتاب الوزارة، كتب بيده العبارة الحاسمة "مقتضيات المصلحة العامة".