قبل قرابة ألفي عام، تلقى الامبراطور الروماني تيبريوس هدية من أحد رعاياه، عبارة عن قدح من معدن غير مألوف، يشبه الفضة، ولكنه أخف منها كثيراً. أرسل الامبراطور في طلب الرجل، فلما مثل بين يديه سأله عن المادة التي صنع منها القدح. فقال إنها مادة "معدنية" استخلصها من الطين.
لم يفكر ذلك الامبراطور المحدود الأفق إلا في كنوزه من الذهب والفضة، وخاف أن تفقد قيمتها إذا تمكن ذلك الصانع الفقير من الترويج للمعدن الجديد ذي الصفات الفريدة، فأمر بقطع رأسه وتدمير ورشته. فماتت في مهدها أول محاولة لاكتشاف الألومنيوم.
تصوروا حال الحياة البشرية الآن لو أن ذلك الامبراطور الروماني كان مستنيراً، وتبنى اكتشاف الصانع المسكين صاحب القدح، إذا ثبتت صحة الرواية. لكن المؤكد أنه بحماقته وحرصه على ذهبه وفضته أغلق دفتر تاريخ الألومنيوم لمدة تزيد عن 1500 سنة، إلى أن أعيد فتحه في القرن السادس عشر على يد الطبيب وعالم التاريخ الطبيعي الألماني الذي حمل اسماً فريداً هو فيليبوس أوريليوس ثيوفارستوس باراسيلوس بومباستوس فون هوهينهيم.
ويسجل ذلك الدفتر محاولات أخرى كثيرة لاستخلاص الألومنيوم من أملاحه وأكاسيده، حتى كان العام 1855 حين تمكن العالم والصناعي الفرنسي سنكلير دوفي من إنتاج الألومنيوم في صورة صفائح وقوالب، عرض بعضاً منها في معرض باريس الدولي.
بعدها، لم يعد الاهتمام بالألومنيوم قاصراً على حدود المختبرات الكيميائية والتعدينية، بل تعداه إلى العامة. فأصبح حديث المجتمعات، وصار امتلاك قطعة منه رفاهية وحلماً، وفاقت قيمته الذهب. ويُحكى أن نابوليون الثالث كان في ولائمه يخص نفسه وأفراد الأسرة المالكة وضيوفه المقربين بأدوات مائدة صُنعت من الألومنيوم. أما تلك المصنوعة من الذهب والفضة فكانت من نصيب أصحاب المكانة الأدنى في البلاط الامبراطوري.
وقد ساهم نابوليون الثالث، ربما من دون أن يقصد، في دفع عجلة تطوير الألومنيوم وإنتاجه. كان ذلك الامبراطور الفرنسي مغرماً بالمظاهر، ففكر في تسليح جيشه بدروع من هذا المعدن النفيس، ودعم دوفي ليُدخل تحسينات على طرق استخلاص الألومنيوم. وبالرغم من ذلك، خاب سعي نابوليون، إذ فشلت كل الطرق في رفع إنتاجية الألومنيوم وخفض تكاليفه بما يكفي لتوفير درع لكل جندي. وقنع الامبراطور بتحقق جزء من الحلم، إذ استطاع دوفي أن يمد أفراد الحرس الإمبراطوري الخاص فقط بدروع الألومنيوم.
ولم يلبث المعدن الجديد أن غزا أفكار الأدباء وأحلامهم، فراحوا يرسمون ملامح جديدة للحياة البشرية مع الألومنيوم. وقد جاء النص التالي في رواية للكاتب الروسي نيكولاي تشيرنيشيفسكي بعنوان "ماذا علينا أن نفعل؟ صدرت عام 1863: "... يا لخفة وزن المعمار الداخلي للمنازل! وعجباً لهذه الدعامات الصغيرة بين النوافذ! النوافذ نفسها ضخمة، وطولها يصل إلى السقف، ولكن، مم صُنعت الأرضيات والأسقف؟ مما صُنعت أُطر الأبواب والنوافذ؟ أهي من الفضة؟ أم تُراها من البلاتين؟ يا لله! عرفت، عرفت، أطلعتني ساشا على لوح من تلك المادة التي لها خفة الزجاج. قالت إنه الألومنيوم، الذي سيأخذ عاجلاً أو آجلاً مكان الخشب، وربما الحجر أيضاً. كل شيء هنا يشي بالثراء، فالألومنيوم في كل مكان!"
|