قليلةٌ هي الأشياء التي يمكنها أن تصيب المرء بدهشة إيجابية، أو بانبهار، في هذا الزمن الغني بالدهشات السلبية المسببة للإزعاج. ولا يمكنك إلاَّ أن تنبهر بالروائية الكورية الجنوبية هان كانغ وهي تجعل يونغ هاي، بطلة روايتها التي تحمل عنوان "النباتية"، تستيقظ ذات صباح وقد قررت أن تتخلص من كل محتويات ثلاجتها المنزلية من لحوم وألبان وتلقي بها في أقرب مستودع نفايات. وعندما يسألها زوجها عما فعلته، تقول له إنها قررت، بعد رؤية كابوسية في الليلة الفائتة، تغيير حميتها الغذائية من لاحمة إلى عاشبة.
جدير بالذكر أن "النباتية" هي الرواية الأولى لهان كانغ التي تترجم إلى الإنكليزية، وكانت في الأصل قصة قصيرة عنوانها "فاكهة امرأتي" تتحول فيها امرأة إلى شجرة.
لا يصدق الزوج المسكين الانقلاب الذي حلَّ بزوجته فجأة من دون أي مقدمات. فقد كان يراها طوال الوقت ربة منزل دؤوباً نمطيةً بكل المقاييس، لا تحتدُّ إن استاءت، ولا تنساق وراء نزق عاطفي. ويعرف الناس الزوج، السيد تشيونغ، كموظفٍ رقيق الحال متواضع الطموح، يمضي في الحياة بلا حماسة، حريصاً على ألاَّ يثير المشاكل. وقد أغرق الزمن الزوجين في حياة اعتيادية استسلما لها، حتى فوجئا بأنها على درجة من الهشاشة أكبر مما كانا يظنان. وبدأت الشدوخ تطال علاقتهما نتيجة حلم حافل بالعنف راود الزوجة ذات ليلة. وتدهورت أمورهما سريعاً، في مجتمع يُلزم باتباع أعرافه وثوابته، ولا يسمح لامرأةٍ بأن تتمرد وتصدمه بقرار اختيارها الاقتراب من عالم النباتات.
الوجود سابق على الجوهر أو "الماهية"، وفق الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر. وقد تحقق وجودُ يونغ هاي بمولدها وانخراطها في مجتمعها. وها هي تسعى إلى مراجعة ماهيتها التي يحددها صراع داخلي بين شقين أصيلين في النفس البشرية، أحدهما بدائي جشع، والآخر محكوم بالالتزام تجاه الأسرة والمجتمع.
تقول المؤلفة إنها نباتية، مثل بطلة روايتها، وتشعر بآلام في جسدها إذا رأت قطعة لحم تُشوى على النار. وتردُّ جذور الرواية إلى مشاعر رفض للعنف البشري نمت في ظل ذكرياتها المريرة عن انتفاضة الشباب الكوري في مدينة غوانغجو ضد الديكتاتورية عام 1980، عندما تحولت التظاهرات المؤيدة للديموقراطية إلى حمام دم.
هذا يؤكد صدق قول بويد تونكين، رئيس لجنة التحكيم التي منحت "النباتية" جائزة Man Booker الدولية للروايات لسنة 2016، إن عمل المؤلفة الكورية الجنوبية هان كانغ عن امرأة "تقرر رفض الوحشية البشرية" مؤثر وأصيل بصورة لا تنسى. كما جاء في تعليق ناقد أدبي: "النباتية رواية كابوسية، تقترب كثيراً من عالم فرانز كافكا الروائي، يُنازع بطلتها سؤال: هل بمقدور الإنسان العيش في سلام كما تعيش النباتات والأشجار؟"
|