النخلة شجرة موقَّرة في تراث الثقافة العربية الغني بالمأثورات عنها. وفيه أنها خُلقت من الطين الذي خُلق منه آدم أبو البشر، فكأنها أخت لآدم. إذاً هي عمَّة لكل البشر! والمأثور عن الخليفة العبَّاسي هارون الرشيد قوله إن كل ذهب الأرض وفضَّتها تتضاءل قيمته أمام غابات النخيل في البصرة.
ويستطيع البدوي أن يصف لك أكثر من مئة جزء يعرفها في شجرة النخيل، التي لا ترى فيها العين غير الخبيرة إلا مجرَّد شجرة. وكان العرب يجدون في التمر طعاماً للفقير، وحلوى للغني، وزاداً للمسافر. ويحرص البدو على تقديم التمر لزوجاتهم عقب الولادة، وقد أثبتت أجهزة التحليل الكيميائي الحديثة إحتواء البلح والتمر على نسبة عالية من الحديد، كفيلة بتعويض الأم ما تفقده من هذا العنصر الحيوي خلال فترة الحمل وعند الولادة.
والتمور غنية أيضاً بالبروتينات والدهون وعدد من الفيتامينات والأملاح المعدنية التي لا يكتمل غذاء من دونها. وبالطبع، فإن حلاوة البلح لا تخفى على الآكلين، فهو مخزن هائل للطاقة، إذ يحتوي على 70 في المئة من وزنه سكَّراً يحترق في أجسامنا فتنطلق الحرارة لتدفئنا في الشتاء.
ولعلك لا تدري أنك، حين تأكل بلحة ثم تلقي نواتها، تهدر مصدراً للزيت. نعم، إن نواة البلحة تحتوي على نوع من الزيت صالح للاستخدام كوقود، والنواة ذاتها صالحة أيضاً كعلف لبعض الحيوانات. وإذا شاخت النخلة ولم تعد قادرة على إنتاج البلح، فإنها تقدِّم جذعها لبناء الأكواخ، وأليافها لصناعة الحبال. أما أوراق النخيل ذات المظهر الريشي، فقد استخدمها الإنسان منذ قديم الزمن في صنع الحصائر والسلال وتزيين القصور والمعابد وبوَّابات المدن، وحتى تيجان الملوك.
والبلح أنواع، أشهرها في شبه الجزيرة العربية الخلاص والعنبرة والصفاري والمجهول والجلاوي والبرحي والزاهدي. ويعرف المصريون أنواعاً كثيرة، منها الحيَّاني والزغلول والسماني والأمهات والسيوي والإبريمي والسكوتي. ويبلغ عدد أصناف التمور المنتشرة في العالم العربي نحو ألفي صنف. ولا عجب في ذلك، فإن نشأة النخيل الأولى كانت في منطقة الخليج، وقد نقله العرب إلى بلاد الأندلس (إسبانيا) ومنها انتشر في أوروبا وفي بلاد العالم الجديد (أميركا).
وثمَّة أوجه للشبه بين النخلة والإنسان، فكلاهما منتصب القامة (هل رأيت نخلة ملتوية أو منحنية؟) وكلاهما في جنسين، ذكر وأنثى. ويستحيل أن يبقى أي منهما حياً بلا رأس، وإذا أصاب القلب عطبٌ مرض الجسم ومات. وفي مقابل الشعر الذي يغطِّي أجزاء من الجسم البشري، تغطِّي بقايا الأفرع المقطوعة المتليِّفة جذع النخلة كأنها حراشف.
وتعطي أشجار النخيل ثمارها الشهية بعد أربع سنوات أو خمس من زراعتها، وتصل إلى قمة عطائها في السن العاشرة أو الخامسة عشرة. وقد تنتج النخلة الواحدة 120 كيلوغراماً من البلح، وتبقى مثمرة حتى نهاية عمرها الذي قد يمتد 150 عاماً.
|