نظر رائد إلى الأوراق المبعثرة على المكتب أمامه فيما جهاز الكومبيوتر لا يزال مستمراً بالإقلاع. أدخل كلمة المرور إلى نظام التشغيل، ثم استدار ليعيد ترتيب الأوراق في مجموعات تتناسب وفصول التقرير العلمي الذي يعمل عليه.
صياغة تقرير "التنمية في العالم العربي: تحديات واتجاهات" قاربت الانتهاء. هذا التقرير هو حصيلة عمل فريق من عشرين خبيراً وباحثاً أوكلوا إلى رائد تحرير التقرير وإعداد مسودته الأولى استناداً إلى مخطط توجيهي وضعوه عند بدء العمل.
أخذ رائد يقلّب فصول التقرير ضمن محرر النصوص، ويقارنها مع نسخة مطبوعة تتضمن المخطط التوجيهي. لقد شارك في وضع عدد من فصول التقرير، لكن عمله حالياً أشبه بعمل المايسترو الذي يقود فرقة موسيقية ويسعى لإيجاد الإنسجام والترابط بين عازفيها. هو لا يسعى فقط إلى تجنب التكرار، وإنما يهمه أيضاً البحث عن مواطن التناقض والتباين ومحاولة التوفيق بين أفكار فريق العمل.
في هذه الأثناء، دخل ماجد إلى مكتب أبيه وراح يعبث بأوراقه. نهر رائد طفله الذي لا يتجاوز السادسة، ثم توقف عندما أدرك أن ماجد سيستغرق في نوبة بكاء يضيع فيها مزيداً من الوقت. لمح الأب ورقة رُسمت عليها خريطة ملونة للعالم العربي، فما كان منه إلا أن مزّقها إلى مربعات صغيرة، متحدياً طفله أن يقوم بتجميعها من جديد.
انشغل الطفل بحل الأحجية، فيما عاد الأب إلى متابعة تحرير التقرير. للمفارقة، كان الفصل الذي يعمل عليه هو عن دور النزاعات الداخلية في تقييد التنمية الوطنية. وعندما قرأ عبارة "تقسيم المقسّم وتجزئة المجزّأ" ابتسم بحزن وهو يتذكر قصاصات الورق التي رماها بين يدي إبنه، إذ انها تمثل خريطة الوطن العربي الممزق فعلياً.
تابع رائد قراءة التقرير الذي كان يناقش أهم تحديات التنمية في العالم العربي، وبشكل خاص مشاكل الأمية وضعف مستوى التعليم، ومشاكل الفقر وانتشار البطالة، ومشاكل الاستبعاد المجتمعي سواء تلك القائمة على أساس التمييز بين الرجل والمرأة أو تلك القائمة على أساس الفوارق بين فئات المجتمع والارتباط بأصحاب القرار. وقبل أن يفرغ من قراءة هذا الفصل، كان صغيره يصرخ فرحاً: «لقد حللت الأحجية!»
نظر الأب إلى الخريطة بين يدي إبنه متعجباً، وسأله: «كيف استطعت تجميع قطع الورق وأعدت بناء العالم العربي بهذه السرعة؟»
استغرب الصغير سؤال أبيه، وأجاب ببراءة: «أتقصد بالعالم العربي تلك الخطوط على الوجه الآخر من الورقة؟ على هذا الوجه توجد صورة طفل، وقد جمعتها كما طلبت مني. يبدو أنني عندما قمت ببناء الإنسان قمت ببناء العالم العربي أيضاً!»
(بتصرّف عن قصة "إعادة بناء العالم" للكاتب البرازيلي باولو كويلو)
|