للطائرات الورقية سحر يصعب إبطاله. إنها لعبة للصغار، تجتذبهم عند الشاطئ، وفي الساحات، بل داخل المدن أحياناً، يطيِّرونها من فوق سطوح البنايات. وهي متاحة أيضاً للكبار، فلن يلومك أحد إن كانت لك طائرة ورقية، تنسى معها هموم العمل ومشاغل الحياة، وتقضي معها بعض الوقت، في الريف أو على رمال الشاطئ. هي لعبة للصغار، توقظ روح الطفولة في الكبار.
يحدثنا التاريخ عن وقائع استخدام عملي للطائرات الورقية، إذ كان لها دورها في أداء بعض الأعمال، مثل رفع مواد البناء. وقد رفعت هذه الطائرات صفائح القرميد، لتكسية سطح معبد "زوجو جي" في اليابان عام 1689.
ويصنع اليابانيون الطائرات الورقية في أشكال وألوان عديدة، ولكل شكل معنى رمزي. فهي قد تعني الفلاح والسعد وطول العمر، وقد تتخذ هيئات خبيثة هي بمثابة تمائم ضد أعمال الشيطان. ولا يزال المزارعون في بعض القرى اليابانية يطيِّرون طائرات ورقية خاصة كتبت على ورقها أدعية وابتهالات لكي يهبهم الإله محصولاً وفيراً ويلطف أحوال الجو لتلائم النمو الجيد للمزروعات.
في مدينة شيبا اليابانية على ساحل المحيط الهادئ، يطلق الصيَّادون، وهم يقتربون من الشاطئ في رحلة العودة بعد أيام طويلة من العمل الشاق في المحيط، طائرات ورقية تحملها الرياح القوية إلى المدينة، وعليها علامات رمزية خاصة بأسر الصيادين. فيستقبلها الأهل بالفرحة، لأنها البشير بوصول الآباء والأخوة والأبناء سالمين غانمين، بعد مواجهة أخطار المحيط في رحلة الصيد الطويلة. وتزداد سعادة الأهل إذا رأوا بعض الأسماك معلَّقة في ذيول الطائرات، فذلك يعني أن الصيد وفير.
ثمة إجماع على أن الطائرات الورقية وُلدت في الصين قبل 200 عام من بداية التاريخ الميلادي. والمعتقد أن أول من أوجدها هو القائد العسكري الصيني هان هازين، وكان يبحث عن وسيلة لقياس المسافة بين موقع جيشه وأسوار مدينة كان جيشه يحاصرها. فأطلق أول طائرة ورقية في التاريخ، ليحفر جنوده نفقاً بطول المسافة التي طارتها الطائرة الورقية حتى ارتطمت بالأسوار. وقد اقتحم هازين ورجاله المدينة الحصينة من خلال هذا النفق، الذي تم تحديد طوله بدقة بفضل الطائرة الورقية.
ويزعم أحد المهتمين بهذا الموضوع أن لأوروبا السبق في معرفة الطائرات الورقية، ودليله على ذلك مخطوط من العام 1346 عنوانه "دينوبيليتا تيبوس" لمؤلف يدعى والتر دي ميليميت، ويحتوى على رسم تخطيطي لآلة حربية مرفوعة في الهواء، مربوطة بطرف حبل طويل، تتساقط منها كرات من لهب فوق مدينة محاصرة. وتبدو تلك الآلة أقرب ما تكون إلى طائرة ورقية في هيئة منطاد بدائي.
على أي حال، بعيداً عن الجدل حول أصل الطائرات الورقية، فإن ما يهمنا في عطلة الصيف أنها وسيلة بريئة للمتعة، تحمل معاني التشوُّق للانطلاق. نمسك بأطراف خيوطها، وتتابعها عيوننا وهي تُزفُّ إلى صفحة السماء، وعلى وجوهنا تفترش الدهشة والبهجة. ومن خلال الخيوط، نبثّ آمالنا في أن تسير الأمور وفق هوانا، وأن تتزن أحوالنا وأحوال العالم من حولنا، فتمضي بنا الحياة في نعومة انطلاق طائرة من ورق رقيق ملوَّن تحملها النسمات.
|