على وقع طبول التجهيز لرفع أسعار الكهرباء في الأردن تنفيذاً لتوجيهات صندوق النقد الدولي، وفي سياق أزمة طاقة متفاقمة نتيجة عدة أسباب أهمها الاحتكار الحكومي لسوق الطاقة، جاءت تصريحات وزير الطاقة الجديد مالك الكباريتي لتقدم نموذجاً مختلفاً من التفكير السليم. وزير الطاقة أشار إلى أن الحكومة تفكر في خفض الضرائب ورسوم الجمارك على السيارات ذات المحرك الهجين (هايبريد) لتشجيع استخدامها في الأردن كما حدث قبل ثلاث سنوات، وكذلك دعم أي مستهلك يريد بيع سيارته القديمة وشراء سيارة هجينة مكانها.
بعد يومين فقط أعادنا وزير المالية إلى الواقع، إذ صرح نافياً هذا التوجه بشكل حماسي، وكأنه ينفي وقوع جريمة تثير الخجل، بينما أشار صحافيون إلى أن رئيس الوزراء أنَّب وزير الطاقة على تصريحاته التي خلقت "بلبلة في السوق" حسب تعبيره، علماً أن هذا الرئيس نفسه قال قبل أشهر إنه إذا لم يتم رفع سعر البنزين ومشتقات المحروقات فسينهار الدينار الأردني وقد تفلس البلاد!
قصة المحرك الهجين في الأردن تشبه المثل الأردني المعروف حول "الهجين الذي وقع في سلة التين"، وإشارة إلى الشخص غير الواعي للخير الذي أصابه، أو الرزق الذي حصل عليه، فيتصرف بشكل استفزازي وعشوائي في محاولة الاستفادة منه.
قبل ثلاث سنوات قررت الحكومة، بفكرة من وزارة البيئة، أن تلغي الضرائب على السيارات الهجينة في فترة الارتفاع الهائل لأسعار البنزين، وذلك للتخفيف من الاستهلاك والحد من تلوث البيئة. لكن هذه الخطة تعرضت لعامل غير متوقع على الإطلاق، هو مزاج المستهلك الأردني الشغوف بالتباهي. فبدلاً من اقتناء السيارات الهجينة ذات المحركات الصغيرة، خصوصاً الآسيوية، التي تحقق معادلة تخفيف التلوث واستهلاك البنزين، بدأت نسبة عالية من المستهلكين اقتناء السيارات الهجينة الفارهة ذات المحركات الكبيرة ومعظمها من إنتاج أميركي وألماني، ويقل سعرها عن سعر مثيلاتها من السيارات الفارهة غير الهجينة بنحو 30 إلى 50 في المئة. بهذه الطريقة استطاعت فئة من المستهلكين تحقيق معادلة فريدة هي قيادة سيارة فارهة بسعر مناسب - أي بديون أقل - وادعاء الحرص على البيئة الذي يجعل الشخص "كول" في الأوساط الاجتماعية الراقية.
شاهدت وزارة المالية هذا التدفق الهائل للسيارات الهجينة، ولم تفكر في الفوائد البيئية أو تقليل التلوث أو حتى تغيير أنماط الاستهلاك، بل فكرت في كمية الضرائب والجمارك التي فقدتها بسبب الإعفاءات. وبجرة قلم قامت الحكومة، بضغط من وزارة المالية، بإلغاء الضرائب بناء على افتراض أن المستهلك سيواصل شراء هذه السيارات ويدفع الضرائب الجديدة. لكن الاستهلاك عاد إلى نقطة الصفر خلال أيام من القرار، وبقيت آلاف السيارات الهجينة التي استوردها أصحاب معارض السيارات جاثمة في المعارض بعد أن زادت الضرائب.
في زمن الاقتصاد الأخضر، ما زال العالم العربي يعاني من نمط اقتصاد الجباية الذي تعتمده حكومات لا تأخذ بعين الاعتبار التفكير المستدام في إدارة الموارد، وكذلك من عقلية الاستهلاك المفرط، خاصة لدى أفراد الطبقتين الثرية والوسطى الذين يبحثون عن سلع يمكن التباهي بها بدلاً من السلع التي تخدمهم وتقلل من نفقاتهم.
الحكومة السابقة والحكومة الحالية والمستهلك الأردني كانوا جميعاً مثل الهجين في سلة التين، ولم يستفيدوا من الفرص الاقتصادية والبيئية الكبيرة التي تقدمها السيارات الهجينة.
|