لم يكن أميراً ذاك الضفدع المسحور في حكايات الأخوين غريم، وكذلك لم تكن أميرة تلك الفتاة التي طبعت قبلة على وجنته أبطلت بها سحره. فما أصل الرواية؟ وكيف بدأت الحكاية؟
يحكى أن رجل أعمال استثمر جزءاً من أمواله في إقامة مصنع ألبان على ضفة إحدى البحيرات. ولما كان همّه الربح بأي ثمن، كما هي غاية معظم أصحاب الأموال، فقد تجاهل إقامة محطة لمعالجة المنصرفات الناتجة عن معمله، وجعلها تصب مباشرة في البحيرة.
مع مرور الأشهر والسنوات ازداد تلوث مياه البحيرة، فذوت نباتاتها، وأخذت الأسماك والضفادع الميتة تطفو على سطحها. ولما كان مفتشو البيئة يغضّون النظر عن أسباب التلوث ويكتفون بأخذ عينات من مياه البحيرة، فقد قررت جنية البحيرة أخذ الأمر على عاتقها، وذلك بتلقين رجل الأعمال درساً حول أهمية حماية البيئة والحفاظ على الموائل الطبيعية، لعله يرتدع. فمسخته على شكل ضفدع أزرق جميل، ليشهد بنفسه سوء ما ارتكبته يداه بالبحيرة وأحيائها.
لعدة أيام، جلس الضفدع على ضفة البحيرة ينظر إليها ويتفكر في الكارثة التي صنعها. وقد حزن حزناً شديداً وذرفت عيناه الدمع، حتى أن جنية البحيرة أشفقت عليه ورقّت لحاله وكادت أن ترفع اللعنة التي ألقتها عليه. وقبل أن تمضي في قرارها، توقفت سيارة "لاندروفر" تحمل شعار وزارة البيئة قرب ضفة البحيرة، وقفزت منها صبية جميلة تحمل عدة اختبار المياه.
اتجهت الصبية إلى البحيرة وبدأت بقياس حموضة المياه، ثم أخرجت زجاجة معقمة وغطستها في المياه الراكدة لأخذ عينة منها. فجأة انسلّت الزجاجة من يدها وسقطت في البحيرة، فارتدت الفتاة إلى الخلف مخافة أن تبللها المياه القذرة. ولشدة اندفاعها، سقطت بشكل موجع على ظهرها.
لم يتمكن الضفدع من تمالك نفسه، فأصدر نقيقاً سريعاً متكرراً يشبه القهقهات التي كان يطلقها عندما كان إنساناً. التفتت الفتاة إلى مصدر الصوت مستغربة. وهناك تحت ضوء الشمس، كان الضفدع الأزرق يقف متلألئاً، ومشاعر الحزن والألم تطغى عليه.
اقتربت الصبية من الضفدع وأخذت تنظر في عينيه الواسعتين الدامعتين. للوهلة الأولى، شعرت بأنها تنظر إلى عيني شاب رقيق المشاعر عطوف القلب واسع المنكبين. شيء ما في داخلها كان يهتف لها: «عليكِ بتقبيل الكثير من الضفادع قبل أن تجدي أميرك الوسيم». وها هو ذا ضفدع يقف أمامها بانتظار مبادرة منها. أيكون حقاً أميرها الموعود؟
لم تتمالك الفتاة نفسها، وانحنت بسرعة، وعاجلت الضفدع المذهول بقبلة طويلة لم يتوقعها، ووقفت تنتظر. فجأة، حصل ما لم يكن بالحسبان! دارت السماء في رأس الفتاة، والتمع وميض أبيض جميل لم تشاهد له مثيلاً. وقبل أن تسقط مغشياً عليها، كان آخر ما سمعته صوت جنية البحيرة يصرخ غاضباً: «أيتها الفتاة الحمقاء، ألا تفرقين بين الضفادع الخضراء اللطيفة والضفادع الزرقاء السامة؟»
|