في فيلم "المريخي" (The Martian) للمخرج البريطاني ريدلي سكوت، تتعرض بعثة استكشافية لعاصفة رملية عنيفة تهدد استقرار الصاروخ الحامل لمركبتهم الفضائية. فيضطرون إلى مغادرة كوكب المريخ على عجل، تاركين خلفهم صديقهم عالم النبات "مارك واتني" الذي نالت منه إصابة ظنّوا أنها مميتة.
ينجو مارك واتني من إصابته ليجد نفسه وحيداً على الكوكب الأحمر. ويدرك مباشرة أن سبل نجاته ترتبط بالموارد المتبقية ضمن القاعدة الفضائية التي يقيم فيها، كما ترتبط بقدرته على التواصل مع بني جنسه على كوكب الأرض. وتطول إقامة عالم النبات على المريخ، وتساعده معارفه الزراعية على الصمود والنجاة، حيث يستنبت البطاطا ضمن بيت بلاستيكي مستفيداً من المخلفات العضوية لأفراد البعثة، أما الماء فيقوم بتوفيره من خلال تفاعل كيميائي.
تم تصوير الفيلم في أحد الاستوديوهات في بودابست عاصمة هنغاريا. أما المشاهد الخارجية فجرى تصويرها في وادي رم في الأردن. ومنذ إطلاقه عام 2015، لاقى الفيلم ترحيباً من علماء النبات حول العالم الذين رأوا أنه يقدم صورة إيجابية عنهم. وبلغت الحماسة بأحدهم بحيث أطلق اسم مارك واتني على نوع جديد من البندورة (الطماطم) في شمال أوستراليا.
يطرح الفيلم مصاعب بقاء الإنسان في الفضاء لفترات طويلة ضمن عوالم عدائية لا تتوافر فيها مقومات الحياة، خصوصاً الظروف المناخية القاسية ومحدودية أو انعدام الأوكسجين والماء والتربة والطاقة. وكانت هذه المصاعب، وما زالت، مجال بحث واختبار لعدد كبير من العلماء، سواء في مراكز الأبحاث الأكاديمية أو في مختبرات وكالات الفضاء حول العالم، ومنها وكالة "ناسا" الأميركية التي قدمت مقاربة علمية لأحداث الفيلم في أكثر من مقال.
لقد اختبر الإنسان استعمار الفضاء والبقاء فيه لفترات طويلة. وأفضل مثال على ذلك ما يجري على متن محطة الفضاء الدولية التي تحلّق على ارتفاع 400 كيلومتر عن سطح الأرض منذ عام 1998.
على متن محطة الفضاء الدولية لا يتم هدر نقطة ماء واحدة مهما كان مصدرها. فجميع السوائل يتم تدويرها وإعادة استخدامها، بما في ذلك دموع رواد الفضاء. أما الأوكسجين فيتم الحصول عليه باستخدام التحليل الكهربائي للماء إلى مكوناته الغازية (أوكسجين وهيدروجين)، وتجرى أبحاث حالياً على استخلاص الأوكسجين من مركّبات أخرى مثل غاز ثاني أوكسيد الكربون الناتج عن التنفس.
أما الطاقة، فيتم تأمينها بالاعتماد على اللاقطات الشمسية التي يوفر كل متر مربع منها 470 واط من الكهرباء. فحتى في العوالم البعيدة حيث أشعة الشمس أخفّ، أثبتت اللاقطات الشمسية فعالية جيدة، كما هي الحال في المركبتين الاستكشافيتين "سبيريت" و"أوبورتشونيتي" على كوكب المريخ، اللتين تم تصميمهما للعمل لمدة 90 يوماً، ولكنهما لم تتوقفا عن العمل منذ 12 سنة بفضل الرياح المريخية التي كانت تنظف لاقطاتهما الشمسية بشكل دوري.
أمضى "المريخي"، الذي أدى دوره الممثل الأميركي مات دامون، 500 يوم في الفضاء حتى تمكن أصدقاؤه من العودة إليه وإنقاذه، علماً أن التقنيات الحالية تتيح للإنسان السفر إلى كوكب المريخ في غضون 260 يوماً فقط. وقد طرحت وكالة "ناسا" في تشرين الأول (أكتوبر) 2015 مفهوماً جديداً للسفر عبر الفضاء باستخدام شعاع ليزر يجعل مدة السفر بين الأرض والمريخ لا تزيد على 30 دقيقة!
ويحمل رائد الفضاء الروسي فاليري بولياكوف الرقم العالمي في البقاء لأطول مدة في الفضاء خلال مهمة واحدة، حيث أمضى خارج الأرض 438 يوماً بين عامي 1994 و1995 على متن محطة "مير" الفضائية. أما الروسي جيني بادالكا فقد أمضى ما مجموعه 878 يوماً في الفضاء ضمن مهمات متعددة.
المحن التي واجهها "المريخي" جعلته يدرك القيمة الحقيقية للأرض التي نحيا عليها ونستفيد من مقدراتها. وذلك لا يختلف كثيراً عما صرّح به رائد الفضاء الأميركي سكوت كيلي حين قال: "سوف يتملكك شعور عميق بالتعاطف مع كوكب الأرض وأنت تلاحظ تأثير وجودنا عليه. وهذا سيدفعك إلى حد بعيد كي تكون مناصراً لقضايا البيئة".
إن قدرة الإنسان على غزو الفضاء واستعمار الكواكب القريبة تزداد يوماً بعد يوم. لكن أفضل خطة لنجاة البشرية ليست في إيجاد كوكب بديل، بل في الحفاظ على الكوكب الحالي الذي نسكنه. ومن أجل ذلك، قد يكون البحث عن كائنات عاقلة على الأرض أهم بكثير من البحث عنها في أعماق الفضاء.