اختار الفيزيولوجيون اسم "ذيل" (appendix) الذي تجده عادة عنواناً لملحق في نهاية كتاب، وأعطوه لعضو في منظومة الأمعاء البشرية، موقعه عند نهاية جراب فيها يعرف بالأعور، تتوقف عنده الأمعاء الدقيقة لتبدأ الأمعاء الغليظة. إنه يبدو فعلاً كذيل، ويعرفه طلاب الطب ودارسو تشارلز داروين بالزائدة الدودية. واستقر لدى الجميع أنه أثر لعضو ضخم اضمحلَّ شيئاً فشيئاً مع تطور البشر، كانت مهمته مساعدة الإنسان القديم في هضم غذائه النباتي بمحتوياته العالية من السلولوز، وأنه عديم الفائدة، بل هو مصدر خطورة إن طاله التهاب، ولا علاج له إلاَّ استئصاله.
غير أن صورة تلك الزائدة الدودية، أو ذيل داروين، تغيرت منذ سنوات قليلة باكتشاف باحثين من جامعة ديوك في ولاية كارولينا الشمالية أن لهذا العضو الضئيل قدرة على إنعاش الأمعاء. فهو مستودع آمن لأنواع من بكتيريا الأمعاء، يلجأ إليه الجسم عند إصابة الأمعاء بعدوى بكتيريا وبائية كالكوليرا، فتمدها الزائدة الدودية بشحنات من البكتيريا الوقائية الطيبة، تنتجها الزائدة وتختزنها في صورة طبقة طلائية من تجمعات خلايا هذه البكتيريا. غير أن أغرب ما وجده باحثو ديوك أن الخلايا المناعية الموجودة في الغشاء المخاطي المبطن لجدار الأمعاء والزائدة، والمنوط بها مقاومة الميكروبات والبكتيريا، هي نفسها التي تساعد طبقة التجمعات البكتيرية على أن تتكون.
فيا لسوء حظ من اضطرتهم الظروف إلى التخلص من أذيالهم الداروينية! إنهم فقدوا خط دفاع مهماً ضد نوع خطير من البكتيريا الممرضة، هو "كلوستريديام ديفيسايل" الذي يسبب التهابات متكررة مزعجة في الأمعاء. لقد تأكد ما يقول به باحثو ديوك بأبحاث أجراها باحثون آخرون في مركز طبي في مدينة ملبورن الأوسترالية، اكتشفوا من خلالها احتواء بطانة ذيل داروين على فئة جديدة من الخلايا المناعية تدعى الخلايا اللمفاوية الفطرية، ليست لها حاجة الخلايا اللمفاوية الأخرى لأن تُستحث لتهاجم ما يستجد من سلالات البكتيريا والفيروسات، فهي متأهبة دائماً لمواجهة ما قد ينزل إلى الأمعاء مع غذائنا اليومي من مواد مزعجة ومضرة.
ولا تخفى علينا أهمية مناعة الأمعاء لصحة أجسامنا. فالأمعاء على اتصال دائم بالعالم الخارجي. وخطوطها المناعية، مع تريليونات الميكروبات المفيدة، هي دفاعاتنا الرئيسية ضد ما يأتينا من البيئة من مأكولات. وهي الأنبوبة التي تستقبل المُدخلات، وتطرد الفضلات، ولا سبيل لأن يصل الغذاء إلى خلايانا إلا بعد أن تمتصه.
ومن حسن الطالع أن أوجدَ الجرَّاحون مؤخراً سبلاً بديلة غير اللجوء إلى استئصال الزائدة الدودية إن التهبت، وثبتت فعالية بعض الأدوية من المضادات الحيوية كعلاج لالتهابها.
إن ذيل داروين يدعونا أولاً لأن نرد له اعتباره، وأن نعتذر عن تدني نظرتنا إليه منذ ورد في تصورات داروين عن التطور، فهو عضو مؤثر ومهم. وثانياً لأن يستنفد الجراحون كل وسائل العلاج الدوائية قبل الإطاحة به.
|