سبعة أشهر مضت وما زالت أزمة النفايات في لبنان مستمرة. ففي منتصف تموز (يوليو) 2015 انتهى العقد الموقع مع الشركة القائمة على جمع النفايات ومعالجتها في منطقة بيروت وجبل لبنان من دون تكليف شركة جديدة للقيام بهذه المهمة. وتوقّف جمع النفايات مع إغلاق موقع التخلص النهائي من دون توفير مطمر بديل.
خلال هذه الفترة، اقترحت لجنة خبراء خطة للإدارة المتكاملة للنفايات، تسبقها مرحلة انتقالية لمدة 18 شهراً، اعتمدها مجلس الوزراء في أيلول (سبتمبر) 2015، إلا أن هذه الخطة ووجهت بالرفض من مجموعتين ضاغطتين: "مجموعة نيمبي" NIMBY (ليس في عقر داري) التي ترفض إقامة المطامر في جوارها القريب، و"مجموعة الموز" BANANA (لا تبنِ شيئا على الإطلاق في أي مكان أو بجانب أي شيء) التي ترفض من حيث المبدأ فكرة الطمر الصحي وتعتبر أن النفايات ثروة لا يجوز التفريط بها دفناً أو حرقاً.
هكذا استمرت التجاذبات حتى كانون الأول (ديسمبر) 2015، حيث طُرح للعلن خيار ترحيل النفايات إلى خارج البلاد لمدة 18 شهراً ريثما يتم الانتقال إلى نظام الإدارة المتكاملة للنفايات في بيروت وجبل لبنان.
ملف ترحيل النفايات، أو ما يمكن تسميته ملف "ترحيل الأزمة"، أصبح واحداً من الملفات الغامضة في لبنان، حيث يبدو أن الفريق القائم عليه قد اعتمد منهج "استعينوا على قضاء حاجاتكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود". وبالتالي حقّ للبعض أن يسأل: أين "النعمة" في النفايات كي تجلب الحسد وتستوجب بالتالي كل هذا الكتمان؟
مضى شهران آخران، وكل ما يرشح عن النفايات، بل عن ملف ترحيلها، يترافق بمزيد من إشارات الاستفهام والتعجب.
في المعلومات المتداولة حول خطة الترحيل، يقع على الجانب اللبناني نقل النفايات وتوضيبها في حاويات بعد أن يقوم باسترداد المواد القابلة للتدوير وتسبيخ النفايات العضوية واستبعاد النفايات الخطرة. لكن إذا كان الجانب اللبناني يملك الكفاءة والقدرة لإنجاز كل ذلك، فلماذا يقوم بترحيل نفايات يمكن تصنيفها بعد إنجاز ما سبق على أنها نفايات خاملة ذات أثر محدود على البيئة؟ لماذا المرحلة الانتقالية من حيث المبدأ إذا كان ما يتم طرحه هو الجزء الأكثر تعقيداً في مسألة الإدارة المتكاملة للنفايات؟
من المفروغ منه أن خطة الترحيل تخضع لاتفاقية بازل، إذ ان النفايات المنزلية تستوجب اعتبارات خاصة في التعامل والتخلص منها. فهي مصنفة تحت الرمز Y46 وتضم في أفضل أحوال الفرز مخلفات خطرة هي "الرشاحة" التي تقع ضمن الصنف H13. ولذلك فإن معظم دول العالم تحظر استيراد النفايات المنزلية، وهناك عدة دول تضع قيوداً على الاستيراد، وثمة بلد آسيوي وحيد يسمح باستيراد هذا النوع من النفايات من دون قيود ولكنه بعيد جداً عن لبنان.
إحدى الشركتين العارضتين، اللتين وافقت عليهما الحكومة اللبنانية، سعت لترحيل النفايات إلى سيراليون. وكأنما هذه الشركة، التي انسحبت لاحقاً، لا دراية لها أبداً بأن اتفاقية بازل تحظر بشكل مطلق نقل النفايات إلى سيراليون، لأنها ببساطة ليست دولة طرفاً في الاتفاقية. المستغرب أكثر ألا يفطن الجانب اللبناني لهذه المخالفة القانونية الجسيمة، حيث كان على علم مسبق بالدول التي سترحل إليها النفايات وفق تصريحات نشرتها جريدة "النهار" اللبنانية بتاريخ 4 كانون الثاني (يناير) 2016.
الشركة الثانية كانت، بعد شهرين من الموافقة المبدئية للحكومة اللبنانية، تسعى للحصول على موافقة السلطات الروسية للسماح بمعالجة نفايات لبنان والتخلص منها على أراضيها، وقد تم تأجيل توقيع العقد بين الحكومة اللبنانية وهذه الشركة أكثر من مرة، لتأخرها في الحصول على الموافقة الروسية. وكان قيل إن الشحنة الأولى من النفايات سترسل إلى احدى جمهوريات الاتحاد الروسي، مع استمرار التعتيم على الوجهات الأخرى. هذا إن دل على شيء فهو يدل على عدم وجود خبرة مسبقة لهذه الشركة في مسألة ترحيل النفايات من بلد إلى آخر، وإلا لكان الحصول على الموافقات أمراً روتينياً لا يستوجب كل هذا التأجيل وهذه المماطلة.
إذا كان البعض لا يزال يستفزه الغموض الذي يحيط بطريقة معالجة الأزمة، ويطالب بحقه في معرفة المكان الذي ستذهب إليه النفايات التي بُذل فيها الغالي والرخيص، فعليه أن يقرأ جيداً ما قاله الكاتب والمفكر اللبناني جبران خليل جبران: "إذا أحببت شيئاً فدعه يرحل، فإن عاد فهو لك للأبد، وإن لم يعد فهو لم يكن لك من البداية".