للطعام في مختبرات مراكز البحوث حكايات وطرائف. ففي الأربعينات من القرن الماضي، مثلاً، كان حلم كل من المستهلك ومربيي الدواجن أن تتطور وسائل تربية الدواجن وإنتاجها لتعطي حجماً أكبر من لحم دجاج البيض. وعبر الزعيم السياسي البريطاني ونستون تشرشل عن هذا الحلم فقال : آن الأوان لأن نكف عن إصرارنا على تربية الدجاجة كاملة، فنحن لا نأكل إلا صدرها أو فخذها، فلماذا لا يقتصر اهتمامنا على إنتاج هذه الأجزاء من الدجاجة ؟
وكان الدكتور ألكسي كاريل، الحائز على جائزة نوبل في علوم الحياة، قد سبق تشرشل إلى فكرة إنتاج لحوم بشكل جزئي عندما أجرى عام 1908 تجربة على قطعة من قلب دجاجة، قام بغمرها في محلول من أملاح مغذية، فوجد أنها لم تستمر محتفظة بحيويتها، فحسب، وإنما كان حجمها يتضاعف في كل يوم، ولم يطرأ على خصائصها أي تغير، ولم تظهر عليها علامات التقدم في العمر، وظلت تتضخم وتتضخم حتى ملأت فراغ وعاء التجربة. هنا، اقتطع الدكتور كاريل شريحة من نسيج القلب الآخذ في النمو، وزرعها بالطريقة نفسها في وعاء آخر، فتحقق النجاح ذاته. واستمرت هذه العملية مرات ومرات، حتى توفي كاريل عام 1944، ولكن شرائح قلب الدجاجة لم تتوقف عن النمو في مختبره، واستمرت التجربة لمدة 36 سنة تحت إشراف تلاميذه، وكانت صحف نيويورك تحتفل كل عام بعيد ميلاد قلب الدجاجة المحتفظ بالحياة في أوعية المختبر!
وأثارت هذه التجربة خيال بعض الكتاب، فتصوروا آلة بحجم الثلاجة، توضع في مطبخ المستقبل، وتقوم بنفس ما أجراه الدكتور كاريل في تجربته، فتنمي قطعاً صغيرة من اللحم تضعها فيها ربة البيت لتجد، بعد أيام قليلة، ما يكفي من اللحم لإعداد وجبة طازجة لأفراد أسرتها. ولم يستطع كتاب آخرون تقبل هذا التصور المستقبلي، فأطلقوا على اللحوم التي تنتجها تلك الآلة التخيلية اسم "لحوم فرانكنشتاين"!
ولا تزال فكرة تخليق لحم في المختبر تداعب خيال وطموحات العلماء، وعلى نحو خاص في قطاع أبحاث الفضاء، على أمل إيجاد طرق توفر لرواد الفضاء لحوماً طازجة يستغنون بها عن اللحوم المحفوظة المخلوطة بالحبوب والوجبات النباتية التي يعتمدون عليها حالياً، فلعلنا نسمع في المستقبل القريب عن نجاحات تحققت في هذا المجال.
وإلى أن يجيئ اللحم المخلَّق في المختبر، سيكون على آكلي المستقبل أن يعتمدوا على نوع آخر، لا نجد له اسماً أفضل من "اللحم المزيف"، وهو مصنوع من مستخلصات فول الصويا وغيره من بذور النباتات. وهذه المستخلصات غنية بالبروتين النباتي، وتتضمن خطوات تصنيعها تحويلها إلى معلّقات غليظة القوام، تضغط في آلات خاصة ذات ثقوب دقيقة، شبيهة بآلات غزل خيوط الألياف الصناعية، كالنايلون والريون. ثم تؤخذ خيوط البروتين النباتي الناتجة، وتخلط بالدهون، ويضاف إليها مكسبات لون ونكهة، مع بعض الفيتامينات، وتشكل على هيئة شرائح أو مكعبات، وتطرح في الأسواق. وثمة توقعات بأن هذا النوع المزيف من اللحم سيكون هو الخيار الوحيد أمام كثير من البشر في المستقبل، وأن الحصول على شريحة من بروتين حيواني حقيقي سيكون حلماً بعيد المنال. والجدير بالذكر أن هذا النوع الغريب من اللحوم معروف على نحو ما في أيامنا هذه، بل إنه يستخدم منذ عدة سنوات في التجمعات البشرية الفقيرة، كما يستعين به النباتيون ومرضى القلب الذين يمنعهم أطباؤهم من تناول اللحوم الحقيقية.
|