تتجه هوليوود مع نهاية 2015 إلى تحطيم أرقام قياسية في إيرادات الأفلام السينمائية، حيث نجحت خمسة أفلام تم إنتاجها هذه السنة في تحقيق عائد يزيد على بليون دولار، مما أهلها لتكون بين أكثر الأفلام إيراداً في تاريخ السينما العالمية. ومن اللافت أن يكون فيلم الخيال العلمي "العالم الجوراسي" (Jurassic World) في صدارة الأفلام الأكثر مشاهدة حول العالم.
"العالم الجوراسي" هو الإصدار الرابع ضمن سلسلة الأفلام الناجحة "الحديقة الجوراسية"، التي عُرض الجزء الأول منها عام 1993 مقتبساً عن رواية للطبيب وكاتب الخيال العلمي الشهير مايكل كرايتن. الأمر الجيد في سلسلة أفلام الخيال العلمي هذه هي أنها واكبت بنجاح تطور الاكتشافات العلمية في حقل الهندسة الجينية، والمحاولات المستمرة لإعادة إحياء كائنات منقرضة على رغم من الخلاف العلمي والأخلاقي حول ذلك.
في الجزء الأول من الفيلم، قام العلماء باستخراج عينات دماء تم حفظها في الكهرمان أو العنبر المتحجر الذي أفرزته أشجار صنوبرية منقرضة. ومن هذه العينات استخلصت المورثات التي أعادت الدينوصورات إلى وجه الأرض باستخدام طريقتي الاستنساخ والتهجين.
هذه الأفكار لم تأت من فراغ، إذ كانت بمثابة توقعات لما يمكن أن تتجه إليه العلوم بعد النجاحات التي تحققت مسبقاً في مجال الاصطفاء الوراثي وفي التلقيح الاصطناعي حيث كانت ولادة أول "طفلة أنبوب" عام 1978 واسمها لويس براون. وبعد ثلاث سنوات من عرض فيلم الحديقة الجوراسية، كانت ولادة النعجة "دوللي"، أول حيوان ثديي يتم استنساخه بنجاح من خلية جسمية، وقد عاشت من 1996 إلى 2003.
في فيلم 2015 "العالم الجوراسي"، يتم إكثار الدينوصورات باستخدام التحوير الوراثي، حيث يقوم العلماء بتوظيف بيض الدجاج كأساس لتعديل الصفات الوراثية في صبغياته. وذلك من خلال تعطيل بعض الصفات وإكسابها صفات جديدة تتيح هندسة كائنات حية تشبه ظاهرياً الكائنات المنقرضة بل تكون متقدمة عليها. نظرياً، قد تكون هذه الطريقة أكثر تعقيداً مقارنة بما تم عرضه في الجزء الأول، إلا أنها أكثر واقعية وقابلية للتنفيذ حسب المعطيات والتقنيات العلمية المتاحة حالياً.
بشكل مبسط، تُختزن الذخيرة الوراثية للكائنات الحية في الخلايا ضمن جزيئات DNA التي تضم تريليونات البنى الوراثية مجتمعة وفق روابط كيميائية خاصة. وعندما تموت الخلية، فإن هذه الروابط أو الأحماض النووية تصبح هشة وتبدأ بالتفكك سريعاً مما يجعل عملية إعادة بنائها كما ورد في فيلم 1993 مهمة تكاد تكون مستحيلة.
أما التحوير الوراثي، القائم على التحكم في تعاقب المورثات وتطبيق القص واللصق باستخدام النظام المسمى اختصاراً "كريسبر" (CRISPR)، فيتيح تطوير كائنات حية تشبه في بعض صفاتها كائنات أخرى حية أو منقرضة. وهناك أشياء كثيرة تم إنجازها في هذا المجال، فقد تمكن العلماء في جامعتي ييل وهارفارد الأميركيتين خلال 2015 من اكتشاف آلية تسمح بتحوير منقار دجاجة ليصبح مشابهاً لفم دينوصور، وذلك بعد بحث استمر ثماني سنوات. كذلك تم توظيف صفات وراثية من قنديل البحر لإنتاج أسماك زينة مخططة متوهجة في الظلام، وأصبحت منتشرة بشكل تجاري، وتستخدم هذه الطريقة في استنبات أنواع ذات سلالات مميزة كالرز والقمح والموز، وغير ذلك من تطبيقات.
أفلام وروايات الخيال العلمي ليست مواد وثائقية يمكن التعويل عليها لاستنتاج حقائق أو اكتساب معارف، بل هي لوحات فنية رائعة يرسمها فنان مبدع يحاول دائماً الإصغاء إلى صوت العقل في اختيار الألوان وتناسق الأشكال. والنتيجة أعمال ملهمة تدفع الناس لمحاولة تجسيدها واقعاً معاشاً. يقول ستيف بروساته، عالم الحفريات في جامعة أدنبره البريطانية: «الأمر المهم في فيلم العالم الجوراسي هو أن جيلاً جديداً من الأطفال سيكون مذهولاً بروعة الدينوصورات بالطريقة ذاتها التي أثرت بي وألهمتني عام 1993 عندما كان عمري تسع سنوات. كنت أكره حصة العلوم في المدرسة، إلا أني توسلت أهلي من أجل مشاهدة فيلم الحديقة الجوراسية».
|