تنقل لك قراءة الكاتب الأميركي أيزاك أسيموف أفكاراً إيجابية واضحة حول قدرة العلوم والتكنولوجيا على حل مشاكل العالم. وكان أستاذاً للبيوكيمياء في جامعة بوسطن، مهموماً بإيصال العلم إلى عامة الناس. وكان يقول إن العلم على درجة من الأهمية تستدعي ألا نتركه حكراً للعلماء وحدهم.
توفي أسيموف عام 1992 عن 72 عاماً، تاركاً ثروة من المؤلفات، إذ كان غزير الإنتاج بشكل لافت. وناهز عدد كتبه 500 كتاب في موضوعات متنوعة موجهة إلى فئات عمرية مختلفة، من مرحلة ما قبل المدرسة إلى الكتب المرجعية الجامعية. ولئن تكن شهرته قامت على روايات الخيال العلمي، إلا أن مؤلفاته تفرعت في مجالات أخرى، كعلم الاجتماع والتاريخ والرياضيات وعلوم الحياة والكيمياء والفلك والفيزياء، بل إنه كتب ألغازاً ودراسات دينية.
يحكي أسيموف عن طريقته في الكتابة في مقال يتسم بالطرافة عنوانه "من أين استقي أفكاري". يقول: "... إنني أفكر وأفكر وأفكر، حتى يخطر ببالي شيء. ومع ذلك، يحدث أحياناً أن تأتيني الفكرة من الخارج... في العام 1971، شاركت في مؤتمر حول قصص الخيال العلمي، وكنت بين المستمعين إلى كاتبين معروفين يناقشان أساليب كتابتها. وقد رأى أحدهما، وأنا أشاطره الرأي، أن ردود الأفعال الإنسانية أهم من التفاصيل التقنية، حتى في مجال الخيال العلمي. قال: "إذا استطاع الكاتب نقل الدوافع الإنسانية على نحو مقنع، فلن يهم القارئ أن يبحث أمر عنصر البلوتونيوم 186".
وتابع أسيموف في مقاله: "لم أتمالك من الضحك حينها، إذ إن ذاكرة المتكلم خانته، فليس في نظائر البلوتونيوم ما يسمى بلوتونيوم 186، ولا يمكن حسب قوانين الكيمياء أن يكون. غير أن خاطراً طرأ على بالي، وحدا بي إلى التفكير في كتابة قصة يكون فيها البلوتونيوم 186 موجوداً بالفعل، ويكون قد أتى إلى الأرض من عالم آخر، عالم تختلف فيه الطبيعة عن نظيرتها في الأرض. وما إن يحل هذا العنصر بالأرض حتى يبدأ باستيعاب قوانينها ببطء، ويزيد عدم استقراره شيئاً فشيئاً. وإذا استطعنا الحصول على كمية غير محدودة من هذه المادة، نجلبها من ذلك العالم الآخر السابح في الفضاء الكوني، فإننا سنحصل على مصدر هائل للطاقة يكاد لا يكلفنا شيئاً. وتلبيةً لمتطلبات الحبكة الروائية، كان عليَّ أن أنسب إليها عيوباً خطيرة، تعرض كوكب الأرض كله، وربما الكون برمته، لخطر ماحق. فهل سيكون الناس على استعداد لأن يتخلوا عن مصدر مجاني للطاقة؟ وهكذا، بدأت الأفكار تنبثق شيئاً فشيئاً من مصطلح ليس له ما يناظره في الطبيعة: البلوتونيوم 186. وانتهى بي الأمر إلى تأليف رواية "الآلهة" التي صدرت عام 1972".
وكان أسيموف حصل على بكالوريوس في العلوم عام 1939، ثم على ماجستير عام 1941، وعلى دكتوراه في فلسفة العلوم متخصصاً في الكيمياء عام 1948. واشتغل بعد ذلك بتدريس الكيمياء الحيوية في جامعة بوسطن. وكان يقلقه بشدة غياب النهج العلمي للمعرفة بين عامة الناس في مختلف ثقافات العالم. فبالرغم من أن العلم أحدث ثورة في مسار التاريخ، وجعل الكون كتاباً مفتوحاً، إلاّ أنه يندر تطبيقه في المجال الاجتماعي، ولم يترك في رؤى معظم البشر تجاه العالم غير أثر ضئيل. وفي رأيه أن الغالبية العظمى من سكان الأرض تعيش، من الناحية الشكلية، في عالم تحدده السلوكيات القبائلية للعصر البرونزي. وقد كرَّس أسيموف حياته لتغيير هذا الوضع.
|