قرأتُ قصة من نوع الخيال العلمي للكاتب النروجي جوستين غاردر عنوانها "مرحباً! هل من أحد هناك؟" تحكي عن الطفل يواكيم، الذي كان يبلغ من العمر ثماني سنوات حين وطأت أول قدم بشرية سطح القمر عام 1969، فينشغل بذلك الحدث انشغالاً شديداً، ويفاجأ بزائر عجيب يطرق بابه. إنه الطفل ميكا! جاء من كوكب بعيد اسمه "إيلجو"، لم تنقرض دينوصوراته كما حدث لدينوصورات الأرض. وينجح الطفلان في التوصل إلى وسيلة للحوار، ويتبادلان اكتشاف الحقائق حول تطور الحياة على الكواكب المختلفة.
ويبدو أن معايشتي لقصة صداقة يواكيم وميكا تركت أثراً في نفسي. ولا أُنكر أنني حسدتُ غاردر على الفكرة، بل رحت أرتّب للنسج على منوالها، فلم أفلح. ولكن ذلك لم يبعدني عن عالم تلك القصة المميز، فلم أكن أكف عن تأمله، والتعجب من شخصية ميكا، القادم من إيلجو، الذي حاولتُ أن أرسم له من الملامح غير ما جاء في القصة.
ولم ألبث أن فوجئت به يزورني في أحلامي، ككائن أقرب إلى بني البشر، تيسر له أن يتطور قبلنا بعشرات ملايين السنين، وهي فسحة من الوقت أتاحت له أن يسبق مثيله الأرضي في مختلف نواحي التكنولوجيا.
أخبرني ميكا في أحد تلك الأحلام أنه اختارني لأكون صديقه الثاني على كوكب الأرض، إلى جانب يواكيم. وأخيراً، أخبرني أنه سيرافقني في يقظتي لنعيش صداقتنا على أرض الواقع، وأنه لن يمثل عبئاً عليَّ في شيء، ولن يشعر به أحد غيري، على نحو ما تصوره الأفلام.
لم يخطر ببالي أن أول لقاء "حيّ" بيننا سيكون وأنا في طريقي إلى منتدى علمي، لي فيه حديث دوريّ بعنوان "شهريات"، أعلّق فيه على ما أختاره من أحداث الشهر المنقضي. كان ميكا يجلس إلى جانبي في السيارة. قال: "مرحباً، سيكون اللقاء شائقاً".
ابتسمتُ للمفاجأة، وقلت: "آمل ذلك". ومع أنني في هذه المنتديات أكون على أتم استعداد للحديث، واثقاً تماماً مما أعددته من مادة، إلا أن ثقتي زادت بصحبة ميكا.
فوجئتُ، وأنا أتهيأ للحديث، بصديقي ميكا يقف إلى جواري مبتسماً كطفل ماكر. لم تتوقف مفاجآته، فما إن فتحت ملف شرائح عرضي حتى وجدت العنوان الرئيسي مختلفاً عما حسبت أنني جئت به. كان العنوان: "كوكب يقوم على كفاءة ناقصة". قال ميكا: "إمض بغير تردد، سأكون ظهيراً لك. وعلى كل حال، أنت تتحدث عن الموضوع الذي يشغل بالك الآن". وكانت بقية الشرائح مُعدَّة على خير وجه، تقول بأن ميزة كوكب الأرض تكمن في أن كفاءة كل العمليات الحيوية التي تحصل على يابسته وفي هوائه ومياهه تقارب 100 في المئة، وفي ذلك سرُّ تساوق أنظمته البيئية، حيث يتحول جانب من مواردها المستهلكة إلى نفايات. غير أن نقصان الكفاءة، أو الفارق بين المُدخلات والمُخرجات، آخذ في الاتساع. فلا غرابة إذاً أن النفايات تحاصرنا في كل مكان، وأعباؤها ثقيلة تسيء إلى منظومة حياة استمرت متزنة على مدى ملايين السنين.
نال الحديث استحسان الحضور. ووقفت أبتسم، متابعاً قفزات عجيبة يقوم بها خلف الصفوف طفل قادم من كوكب بعيد، لا وجود له حسبما يعرف الفلكيون.
|